الآخر، فلكل واحد من الاستعمالين حكمه.
وجواب المانعين عن حجة الجواز، ظاهر بعد ما قرروه في وجه التنافي.
وأما الحجتان الأخيرتان، فهما ساقطتان بعد إبطال الأولى. وتزيد الحجة على مجازيته: بأن فيها خروجا عن محل النزاع؛ إذ موضع البحث هو استعمال اللفظ في المعنيين، على أن يكون كل منهما مناطا للحكم، ومتعلقا للاثبات والنفي، كما مر آنفا في المشترك. وما ذكر في الحجة يدل على أن اللفظ مستعمل في معنى مجازي شامل للمعنى الحقيقي والمجازي الأول، فهو معنى ثالث لهما. وهذا مما لا نزاع فيه؛ فان النافي للصحة يجوز إرادة المعنى المجازي الشامل ويسمى ذلك ب " عموم المجاز "، مثل أن تريد ب " وضع القدم " في قولك: " لا أضع قدمي في دار فلان " الدخول، فيتناول دخولها حافيا وهو الحقيقة، وناعلا وراكبا، وهما مجازان.
والتحقيق عندي في هذا المقام: أنهم إن أرادوا بالمعنى الحقيقي الذي يستعمل فيه اللفظ حينئذ تمام الموضوع له حتى مع الوحدة الملحوظة في اللفظ المفرد، كما علم في المشترك، كان القول بالمنع متوجها، لان إرادة المجاز تعانده من جهتين: منافاتها للوحدة الملحوظة، ولزوم القرينة المانعة؛ وإن أرادوا به: المدلول الحقيقي من دون اعتبار كونه منفردا، كما قرر في جواب حجة المانع في المشترك، اتجه القول بالجواز، لأن المعنى الحقيقي يصير بعد تعريته عن الوحدة مجازيا للفظ؛ فالقرينة اللازمة للمجاز لا تعانده. وحيث كان المعتبر في استعمال المشترك هو هذا المعنى، فالظاهر اعتباره هنا أيضا. ولعل المانع في الموضعين بناؤه على الاعتبار الآخر. وكلامه حينئذ متجه، لكن قد عرفت أن النزاع يعود معه لفظيا. ومن هنا يظهر ضعف القول بكونه حقيقة ومجازا حينئذ، فإن المعني الحقيقي لم يرد بكماله، وإنما أريد منه البعض، فيكون اللفظ فيه مجازا أيضا.