وإن كان النظر إلى وجوده الكتابي فكونه بهذا الاعتبار من باب الاستعمال ممنوع، لأنه من أحوال الخطاب وعوارض اللفظ الذي هو الصوت المعتمد على مقطع الفم، فتكون خارجا عن محل البحث، وحينئذ فمن الجائز أن يراد بتأليفها الدلالة على ما فوق الواحد مما يصلح له وإن لم يساعد عليها أفهامنا، كما أنه قصد به بقاء جهة الإعجاز وبقاء التلاوة وبقاء الاستشفاء به وغير ذلك من الفوائد المترتبة عليه. ولعل ما ورد في الأخبار منزل على هذا المعنى.
وقد يقال في دفع التوهم: أن المراد من جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى، ومن جواز استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي، إنما هو بحسب ظاهر اصطلاح أهل اللسان ومحاوراتهم سيما في مفردات الكلام، فلا ينافي ما ذكرنا تعدد مرادات القرآن وتعدد معانيه في الباطن، وتكثر معانيه التأويلية، وإنما الموافق للسان العرب هو تنزيله لا تأويله. انتهى.
ويمكن إرجاعه إلى بعض ما ذكرناه.
وقد يجاب أيضا: بإمكان تعدد الاستعمال على حسب تعدد المعاني والبطون، إذ ليس في تلك الأخبار دلالة على أن الكل مراد باستعمال واحد.
أقول احتمال تعدد الاستعمال على معنى إطلاق اللفظ ربما يساعده ما أجمع عليه من أن قراءات السبع متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ لا يمكن ذلك إلا بتعدد الإطلاق في الخطاب فيجوز أن يراد بكل إطلاق حينئذ معنى غير ما أريد بسابقة.
فليتأمل.
ثالثها: قيل يظهر ثمرة النزاع في الإقرار والوقف والوصية وسائر العقود، فعلى القول بالجواز ينفذ الإقرار فيما إذا كان المقر به أو المقر له شيئين أو أكثر قصدا من لفظ مشترك بينهما، كما لو قال: " لزيد عندي عين " مريدا منها الفضة والدينار أو من " زيد " شخصين، وعلى القول بعدم الجواز لا ينفذ لكون الاستعمال حينئذ غلطا والغلط مما لا أثر له في الأحكام، وكذلك يترتب عليه صحة الوقف والوصية وغيرهما من العقود إذا اخذ فيها لفظ مشترك وأريد منه أكثر من معنى، إن لم نعتبر فيها الصراحة وعدمها.