علامة للحقيقة قد يحرز به كون " الغناء " مثلا عبارة عن الصوت اللهوي وهو من الموضوعات، وقد يحرز به كون الأمر حقيقة في الوجوب، والنهي حقيقة في التحريم وهو من المسائل الأصولية.
وظاهر أن من المسائل الأصولية التي هي الأحوال العارضة للأدلة وجوب التأويل في الدليل عند تعذر الأخذ بحقيقته أو مطلق ظهوره وعدم وجوبه، بل عدم جوازه عند عدم تعذر الأخذ بظهوره، وجواز استعمال المشترك وعدم جوازه يثمران هذين الحكمين الأصوليين فيما إذا قام دلالة معتبرة على اعتبار أكثر من معنى من معاني المشترك ودار الأمر بين كونه من باب الاستعمال في الأكثر أو على نهج آخر من وجوه التأويل، كما في قوله (عليه السلام): " إغتسل للجنابة ولمس الميت وللجمعة وللزيارة " بناء على القول باشتراك الصيغة بين الوجوب والندب مثلا.
فعلى القول بجواز استعمال المشترك في أكثر من معنى يجوز كونهما في هذا المثال مرادين من قوله: " إغتسل " في إطلاق واحد من دون الحاجة إلى التأويل بتجوز أو تقدير.
وعلى القول بعدم الجواز لابد من التأويل بالتجوز بحمل الصيغة على إرادة الطلب الراجح مطلقا من باب عموم الاشتراك، أو بالإضمار بتقدير " إغتسل " مع كل من الأمور المتعاطفة لئلا يلزم الغلط في كلام الحكيم.
وقد تقدم نظير هذا التأويل على القول المذكور في آيتي الصلاة على النبي والسجود لله، وهكذا نقول في آية تحريم أمهات النساء والربائب على القول بظهور القيد في الرجوع إلى الجميع، فعلى القول بعدم جواز استعمال لفظة " من " في البيان والابتداء معا يجب صرف هذا الظاهر عن ظهوره بتخصيص القيد بالجملة الأخيرة فيختص اشتراط الدخول حينئذ بتحريم الربائب، ولا يشترط في تحريم أمهات النساء، فالحكم الفرعي متفرع على الحكم الأصولي المترتب على مسألة استعمال المشترك، لا أنه متفرع على المسألة أولا وبالذات وبلا واسطة ليكون ثمرة لها فليتدبر.
* * *