ولا ريب أنه ليس من موضوع البحث في أصالة الاستعمال، بل هو موضوع لمسألة أخرى مندرجة في مسائل تعارض الأحوال التي يأتي التعرض لها إن شاء الله، فما صنعه بعضهم من إدراج جملة من فروع تلك المسألة في بحث الاستعمال لكونه خلطا بين المسألتين، ليس على ما ينبغي.
ثم ينبغي أن يعلم إن النزاع في بحث الاستعمال ليس في الملازمة الواقعية بين الاستعمال والحقيقية، فإن القول بها لوضوح بطلانه مما لم يتفوه به جاهل فضلا عن عالم فاضل، بل في ظهور الاستعمال فيها وعدمه، فمقالة السيد تنحل إلى صغرى وهو: " إن الاستعمال ظاهر في الحقيقة " على معنى إنه يورث الظن نوعا أو شخصا بكون اللفظ حقيقة في المستعمل فيه اتحد أو تعدد، وكبرى وهو: " كون هذا الظن حجة ".
ومقالة الجمهور المخالفين له ترجع إما إلى منع الصغرى أو الكبرى أو منعهما، بأن يكون مرادهم من قولهم: " الاستعمال لا يدل على الحقيقة " إن الحقيقة لا تثبت بالاستعمال.
أما أولا: فلأن الاستعمال لا يفيد ظنا.
وأما ثانيا: فلأن هذا الظن ليس بحجة.
لكن الظاهر من دليلهم بل هو صريحه رجوع مقالتهم إلى منع الصغرى، لا بمعنى كون الكبرى بعد تسليم الصغرى من المسلمات عندهم، بل هو بعد على الخلاف المتقدم في بحث الظن في اللغات، الذي قد عرفت أن لهم في ذلك أقوال مختلفة.
وتحقيق المقام: إن النزاع إن كان في الكبرى على فرض حصول الظن بالاستعمال نوعا أو شخصا، فالكلام فيه على حسب ما حققناه من أصالة عدم حجية الظن في اللغات.
نعم إذا حصل الاضطرار إلى هذا الظن من جهة الاضطرار إلى العمل بمطلق الظن في الأحكام الشرعية جاز الأخذ به، غير أنه قد عرفت أنه ليس من حجية