وبما ذكرناه بعينه يندفع ما سمعته عن بعض الأفاضل من دعوى إطباق الأصوليين، فإنه أيضا نشأ عن الخلط بين القضيتين.
وأما ما ادعاه من كون الاعتماد على الاستعمال طريقة مستمرة عند أهل اللغة في إثبات اللغات فستعرف دفعه عند تحقيق المسألة.
فانقدح بما قررناه أن النزاع في المسألة بحسب أصل وضعها وتدوينها منحصر في قولين: دلالة الاستعمال على الحقيقة مطلقا، ونفي الدلالة كذلك المستلزم للوقف بالمعنى المتقدم، وهو المشهور الذي عليه أكثر الفقهاء والأصوليين ومنهم الشيخ في كلام محكي له عن مبحث الأمر من العدة، قائلا: فإن قيل: ظاهر استعمالهم يدل على أنه حقيقة في الموضعين، قيل: لا نسلم إن نفس الاستعمال يدل على الحقيقة لأن المجاز أيضا يستعمل، وإنما يعلم كون اللفظ حقيقة بأن ينصوا لنا على أنه حقيقة، أو نجد اللفظ يطرد في كل موضع، أو غير ذلك من الأقسام التي قدمنا ذكرها فيما مضى للفرق بين الحقيقة والمجاز، وليس مجرد الاستعمال من ذلك انتهى (1).
نعم قد حدث عن بعض متأخري المتأخرين قول بالتفصيل بين صورتي الاتحاد والتعدد لمستند مبني على الخلط المشار إليه، وصار إليه السيد المتقدم ذكره وبعض الأفاضل وغيرهما.
كما انقدح بما قررناه أيضا إن موضوع هذا البحث هو الاستعمال مع قطع النظر عن الضمائم، كما هو عنوان المقام الثاني الذي نتكلم فيه، وهذا هو الذي يعبر عنه على القول بالدلالة على الحقيقة " بأصالة الاستعمال " تارة و " أصالة الإطلاق " أخرى، كما عرفت التعبير به عن جمال الملة والدين المصرح بأنه أصل لا أصل له.
وأما كون الأصل في اللفظ المستعمل في معنى أو معان كونه حقيقة مطلقا، أو إذا اتحد المستعمل فيه، فهو أصل آخر يعبر عنه " بأصالة الحقيقة " بغير المعنى المعهود في أصالة الحقيقة التي ينظر فيها لتشخيص المراد استعلاما لحال المتكلم.