وإذا قلت: " ضربت زيدا " كان مجازا من حيث إنك ضربت بعضه لا جميعه، بل لو قلت: " ضربت رأسه " لم تكن قد ضربته من جميع جوانبه، وها هنا مجاز من وجه آخر فإنك إذا قلت: " رأيت زيدا أو ضربته " " فزيد " ليس إشارة إلى هذه الجملة المشاهدة لتطرق الزيادة والنقصان والتبدل عليها وإنما هي أجزاء أصلية لا يعتورها شيء من ذلك، فلعل تلك الأجزاء لم يقع عليها الرؤية ولا الضرب، وقد أسند إليها فكان مجازا، مع أن الرؤية إنما تتناول سطحه الظاهر وليس ذلك حقيقة " زيد " بل إنما هو خارج عنه أو جزء منه.
ومفاد هذه العبارة بمقتضى الأمثلة المذكورة فيها التي أستشهد بها لما ادعاه من الغلبة، كما ترى إنما هو دعوى غلبة استعمال كل لفظ علم له حقيقة ومجاز في مجازه لا حقيقته، وهذه الغلبة لو تمت توجب في نحو المفروض ظهور اللفظ في إرادة المعنى المجازي في موضع الشك في المراد، وهذا كما ترى كلام لا يقال إلا في مقابلة من يدعي في نحو المفروض ظهوره في إرادة المعنى الحقيقي، فلا تعلق لتلك القضية بمحل البحث.
بل ولو سلم عدم تعلقها بما ذكر يمنع تعلقها بمحل البحث أيضا، بل هي كلام يقال به بعد التنزل عما ذكرناه في مقابلة من يأخذ غلبة الاستعمال دليلا على الحقيقة، كما هو عنوان المقام الثالث الذي يأتي الكلام فيه إن شاء الله.
فمرجع القول المذكور حينئذ إلى أن غلبة الاستعمال في موضع الشك إنما يكشف عن المجاز، بضابطة أن الظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب.
ولا ريب أن القول بذلك لا يستلزم القول بكون مطلق الاستعمال ولو مع انتفاء الغلبة دليلا على المجاز، كما أن القول بكون غلبة الاستعمال دليلا على الحقيقة لا يستلزم القول به في مطلق الاستعمال.
وأما الثاني: فلأنه في مسألة المشتق عند تتميم الفاضل الباغنوي احتجاج من قال بالحقيقة بالأصل، قال:
واعلم: أن ما ذكره المحشي في تتميم الاستدلال جيد، يندفع به جواب