وتسري هذه الشبهة إلى مقالة ابن جني، من حيث إنه بتلك المقالة هل هو بصدد إنكار أصل السيد وأتباعه، في دعوى ظهور الاستعمال في حقيقية المستعمل فيه، بدعوى: إن الأصل فيه الدلالة على المجازية، أو بصدد إنكار أصالة الحقيقة المعمولة في تشخيص المراد، بدعوى: إن الاستعمال في مجارى هذا الأصل ظاهر في إرادة المعنى المجازي، أو بصدد إنكار أصل ثالث خارج عن الأصلين.
وبعبارة أخرى: إن القضية المعروفة عن ابن جني هل هي متعرضة لأصل السيد وأتباعه، أو للأصل المتفق عليه المعمول به في تشخيص المرادات، أو إنها مما لا تعلق له بهذين الأصلين وإنما هي متعلقة بأصل آخر.
ومنها: كون المذهب المشهور الذي صار إليه الجمهور هل هو الوقف مطلقا، أو التفصيل بأحد الوجهين المتقدمين في عبارتى السيدين.
لكن الذي يساعد عليه النظر، والحق الذي لا محيص عنه، هو أن النزاع واقع في الأعم وليس في المسألة قول بدلالة الاستعمال على المجاز، والمشهور فيها الوقف مطلقا، بل نفي الدلالة على الحقيقة الذي لازمه الوقوف عن الحكم بها من جهته، لا الوقف بمعنى إنه لا يدري أن الاستعمال يدل على الحقيقة أو لا يدل، كما هو ظاهره في غير المقام.
أما إنه ليس فيها قول بالدلالة على المجاز فلأنه ليس فيما بينهم من يتوهم منه اختيار هذا القول إلا ابن جني حسبما زعمه في الضوابط (1) وبعض الأعلام، أو الفاضل المتقدم ذكره - حسبما زعمه بعض الأعلام في قوله المتقدم: وجنح إليه بعض المتأخرين (2) - وليس الأمر كما توهم لإباء كلاميهما عن ذلك.
أما الأول: فلأنه - على ما حكي - قال: أكثر اللغة مجازات، فإنك إذا قلت:
" قام زيد " اقتضى الفعل إفادة الجنس، وهو يتناول جميع الأفراد فيلزم وجود كل فرد من أفراد القيام من زيد وهو معلوم البطلان.