إصابة الواقع، والجاهل بالأحكام كالصبي والمجنون في خروجه عن موضوع المكلف بها واختصاصها بالعالم أو المتمكن من العلم على التفصيل المذكور وهو قريب من مذهب المصوبة. وما اشتهر من اشتراط التكليف بالعلم فكأن المراد به اشتراط تنجزه وترتب الأثر عليه بذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل القول في المسائل المذكورة في مباحث أصل البراءة، ومسألة التصويب والتخطئة، والله سبحانه يهدي من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم.
الثالث الأمر الذي به يتحقق التكليف وله شرطان:
أحدهما تقدمه وتقدم العلم به وبقيوده ومتعلقاته على الوجه المعتبر في تنجزه على المأمور به بجميع أجزائه، وعلى وقته المضيق بالأصل أو العارض بالقدر الذي يتمكن معه المأمور من الإتيان به وبمقدماته المفقودة. فلا يصح تأخره عن الفعل بالضرورة ولا مقارنته معه أو مع شئ من أجزائه، إذ الفعل حينئذ مسبوق بعلته التامة لا محالة فيمتنع عدمه، وكذا الحال في جزئه فيمتنع وقوعه في حيز الطلب سواء كان مطلوبا لنفسه كما في الأفعال التي لا يرتبط بعض أجزائها بالبعض، أو لحصول المجموع المركب منه ومن سائر أجزائه، وذلك أن التكليف حينئذ لغو لا حاصل له لتوقفه على الاختيار، وانتفاء ما يقصد في ذلك من الابتلاء والاختبار، لوقوع الفعل حينئذ لا محالة. فلا يتصور معه عصيان الأمر، على أن قصد الامتثال المعبر في الطاعة مما يتعذر حينئذ، فيمتنع فيه الطاعة والمعصية جميعا.
واستدل عليه: بأن التكليف في حال حدوث الفعل يستلزم التكليف بإيجاد الموجود وتحصيل الحاصل وهو محال، فالتكليف به تكليف بالمحال، وهو غير واقع ولو على القول بجوازه بناء على ما قيل: من دعوى الاتفاق على عدم وقوعه في غير ما يبتني على مسألة الجبر وخلق الأفعال.
وأورد عليه: بأنه مغلطة، فإن المحال إيجاد الموجود بوجود سابق، لا بوجود حاصل بهذا الإيجاد، فإنه عين محل الكلام.