والثالث: تقدم الوجوب على الفعل أيضا مع تعليق الواجب على زمان حصوله، كتعليق الصلاة بعد وجوبها على زمان الطهر، وتعليق الحج بعد الاستطاعة على أوقاته، وتعليق الصوم بعد وجوبه بالنذر أو دخول الشهر أو غيرهما على وجود النهار، ونحو ذلك.
ولا يخفى عليك: أن شيئا من الوجوه الثلاثة مما لا يعقل فيما نحن فيه، فإن تعليق الوجوب أو الواجب على حال الوقوع ليس له معنى محصل، فضلا عن حدوث الأمر به في تلك الحال كما عرفت.
وغاية ما احتجوا به للقول بالجواز: أن الفعل في أول زمان حدوثه مقدور بالاتفاق، لأنه أثر القدرة فيوجد معها، سواء قيل بتقدم القدرة عليه - كما هو مذهب المعتزلة - أو حدوثها معه. وإذا كان مقدورا أمكن تعلق التكليف به، لأنه لا مانع إلا عدم القدرة وقد انتفى.
وأجيب: بأنا لا نسلم أن المقدور يصح التكليف به مطلقا، وأنه لا مانع غير ما ذكر، بل لزوم التكليف بإيجاد الموجود وانتفاء الفائدة مانعان آخران.
واعترض: بأن الأول ليس إلا عدم القدرة لأن التكليف بإيجاد الموجود إنما امتنع لكونه تكليفا بمحال غير مقدور، فإذا ثبت أنه مقدور ارتفع المانع.
والقول بأن المقدور هو الفعل والمحال إيجاده فيمتنع التكليف به مدفوع، بأنه لا تكليف إلا بالمقدور. فإن كان الفعل فالفعل أو الإيجاد فالايجاد. على أن كلام القوم ظاهر في أنه الفعل، لأنه متعلق الخطاب والأمر والطلب. وكونه إيقاع الفعل مذهب المعتزلة، وكأنه مبني على الاختلاف في أن التأثير في الخارج نفس حصول الأثر أو أمر مغائر له سابق عليه.
وأما ما ذكر من انتفاء فائدة التكليف، ففيه: أنا لا نسلم أن الابتلاء فائدة بقاء التكليف بل ابتداؤه.
وأنت خبير: بما في الكلمات المذكورة من الفساد والخروج عن السداد، لوضوح أنه ليس الغرض من دليل المانع خروج الفعل حين وقوعه عن كونه