بفساده كما يشهد به رفع مطلق القلم عن فعل النائم، إنما يسلم ذلك في السهو الذي لا يقدح في استمرار الداعي الحاصل في ابتداء العمل أو مع قيام الدليل على سقوط الواجب معه فلا يكون الفعل إذن من المكلف به. وما ذكر من التفرقة بين النائم والمغمى عليه في الخروج عن أهلية الخطاب والتهيؤ له غير ظاهر أيضا، إذ لا فرق بينهما في نظر العقل في امتناع تعلق التكليف بهما.
واعلم أن الجاهل إما أن يكون جاهلا بالحكم أو بالموضوع، جهلا مركبا أو بسيطا، مقصرا أو قاصرا، غافلا أو مترددا بين وجوه محصورة أو غير محصورة، متمكنا من الجمع بينها أو لا، قادرا على الفحص أو عاجزا، مكلفا بالفحص عقلا أو نقلا أولا، فهذه وجوه عديدة تمتنع تكليفه بالواقع في جملة منها ويجوز في أخرى. فالجاهل بالجهل المركب - وهو الذي يعتقد أحدهما على خلاف الواقع - لا يجوز تكليفه بالواقع مع عدم تقصيره بالمقدمات، وكذا الغافل والمتردد العاجز عن الفحص والاحتياط مع عدم التقصير. ويجوز تكليف المتردد القادر على أحد الأمرين بما هو الواقع إذا علم المكلف به على الاجمال فيجب عليه أحدهما عقلا، ولا يجب ذلك مع عدم العلم بالتكليف إجمالا إلا مع الخوف من الضر عاجلا - كاحتمال السم القاتل - أو آجلا بظن المؤاخذة على الإهمال فيه.
نعم يستحب أحدهما عقلا مع قيام الاحتمال وانتفاء الخوف. ويجوز قيام الدليل النقلي على وجوب أحد الأمرين حينئذ فيصح معه التكليف بالواقع على ما هو عليه، ويمتنع ذلك مع عدم وجوبه عقلا ونقلا. والمراد من عدم تكليف الجاهل حيث يمتنع هو التكليف المنجز الذي يستتبع الثواب والعقاب، أما التكليف الشأني الذي لا يترتب على مخالفته المؤاخذة، فلا مانع منه.
فقد يقتضي حكمة اطراد الأحكام جعلها أولا في حق العالم والجاهل على حد سواء، ثم إعذار الجاهل بها إذا لم يكن مقصرا في مخالفتها. وهذا هو الظاهر من مذهب المخطئة. وليس ذلك من اشتراط التكليف بالعلم في الحقيقة، لامتناع وجود المشروط بدون شرطه في الواقع، فيكون الجاهل بالحج كغير المستطيع في