مقدورا عليه، وإلا لامتنع وجود الفعل المقدور، بل الغرض أن التكليف إنما يقتضي الإتيان به في ثاني الحال، وإيجاد الحاصل بعينه محال. وإنما يتعلق بالفعل قبل وجود علته الاختيارية ليبقى الاختيار المصحح للتكليف، والفعل حال وقوعه مسبوق بعلته، ولا يلزمه خروجه حينئذ عن الفعل الاختياري، إذ ليس المراد به إلا المسبوق بالإرادة والاختيار المستند إليه. أما بعد وقوعه أو تحقق علته فلا اختيار.
وما ذكره: من أن الابتلاء فائدة الابتداء دون البقاء، إنما يناسب الوجه الثالث من وجوه تقرير كلام الخصم.
وما ذكر: من الفرق بين الفعل والإيجاد، واضح الفساد.
وبالجملة: فالأمر المقارن للمأمور به طلب لممتنع الوجود على التعليل الأول ولممتنع العدم على الثاني من باب التنزل، ولو سلم عدمهما فهو لغو لا فائدة له.
وأما تعليق الوجوب أو الواجب على وقوعه فمرجع الأول إلى كون وجود الشئ شرطا في وجوبه، والثاني إلى تعليق الشئ على نفسه. وقد يوجه بتعليق أحدهما على زمان فعله، ولا محصل له لأن اشتراط الوجوب بزمان الوقوع يستلزم اشتراطه بنفس الوقوع. وتعليق الإيجاد على زمان الوجود لغو لا حاصل له، لوضوح أنه لا يقع إلا في الزمان.
نعم يمكن تعليق الوجوب جواز الفعل إذا كان موسعا كما في الصلاة، أما المضيق فلا، للزوم تقدم الوجوب على الفعل، إذ الوجوب هو الباعث على الامتثال والداعي إليه، فلا يمكن اقترانه مع العبادة لكون المعلول مسبوقا بالعلة، بل الامتثال مسبوق بالنية، والنية موقوفة على تحقق الطلب فيتقدم عليه من وجهين. فما يقع من هذا القبيل راجع إلى تعليق المطلوب دون الطلب.
فظهر بما ذكر أن وجوب الصوم لا يمكن اقترانه بأول الفجر، بل لا بد من تقدمه عليه، فلا إشكال في وجوب الغسل قبل الفجر. فتوهم توقف وجوبه على الفجر وهم فاحش، لرجوعه إلى مقارنة الوجوب مع الجزء الأول من المطلوب وتعليقه على زمان وجوده وهو غير جائز.