وعن الثالث: بأن الغرض من هذا الكلام إما اشتراط القدرة في المأمور به، أو لزوم تكرار العمل بقدر الإمكان، أو عدم سقوط القدر الممكن بالمتعذر. والأول بعيد خارج عن مساق الرواية لرجوعه إلى تأكيد ما دل عليه العقل والنقل من نفي التكليف بما لا يطاق والتأسيس أولى منه، ولو أريد إفادة هذا المعنى لكان التعبير بنحو ما في الكتاب والسنة أولى ليكون مفاده أن الأمر لا يتعلق بغير المقدور لا أنه بعد تعلق الأمر به لا يجب الإتيان به مع عدم الاستطاعة. والثاني مبني على التكرار وقد تقدم فساده في محله، كيف ولم يقل به أحد في غير ما دل الدليل المخصوص عليه سيما الحج فتعين الثالث، ولا أقل من ظهوره فيما يعم المقام، فيجب الإتيان بالمستطاع الذي يصدق عليه أنه من الفعل المأمور به أفرادا وأبعاضا فتأمل.
ولو سلم عدم تمامية الدلالة في تلك الأخبار أمكن انجبارها بما ينجبر به سندها، لما عرفت من توقف الاستناد إليها على وجود الجابر فينجبر به ضعف السند وقصور الدلالة في خصوص المسألة التي يراد الاحتجاج فيها بها.
هذا كله إذا اعتبر اجتماع الأبعاض في صحة العمل.
ومنه يظهر إمكان الاستناد إليها في وجوب الإتيان بالفعل عند تعذر بعض شرائطه أو الاضطرار إلى بعض موانعه أيضا، لرجوع الأول إلى تعذر الشرط أيضا وهو اجتماع الأجزاء، إلا أن الخبر الثاني بظاهره لا يعم سائر الشرائط كما مرت الإشارة إليه، لظهوره في الأجزاء العرفية دون العقلية. بخلاف غيره، إذ يصدق على الفعل عند تعذر بعض شرائطه أنه القدر الميسور المستطاع من الواجب، لكن الاستدلال به موقوف على وجود الجابر كما عرفت.
وأما إذا علق الحكم على العدد المخصوص أو المركب المعلوم على وجه يسقط التكليف عنه على قدر ما يأتي به - كإطعام الستين، وصيام الشهرين في غير مقام التتابع، وإعطاء الصاع إلى غير ذلك - فهل الأصل سقوط البعض بسقوط غيره؟ وجهان: