وأما الثاني فيمكن أن يكون إطلاق الغاية عليه من باب إطلاق اسم الجزء على الكل، لعدم تبادر المجموع من إطلاق الغاية، وإنما يطلق عليه أحيانا لقيام القرينة عليه، كما قد يطلق المنتهى على تمام الشئ لا خصوص جزئه الأخير، كما يقال: منتهى المطلب والكلام، وغاية المأمول والمرام، وفي الدعاء: " أسألك بمنتهى الرحمة من كتابك " أي برحمتك كلها، إذ الوصول إلى الغاية وصول إلى الجميع.
والثالث يرجع إلى أحد الأخيرين على اختلاف القولين، وهل هي مشتركة بينهما لفظا أو معنى، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر؟ وجوه مبنية على أن الأصل دخول الغاية في المغيا أو خروجها عنه، أو هي قابلة للمعنيين صالحة لكل من الوجهين حتى يقوم قرينة على إحدى الخصوصيتين.
والوجه أن يقال: إن هذا الكلام ان أريد به تحقيق معنى الغاية كان أحرى بالبناء على الأول والتفرع عليه، لوضوح أن الأصل حمل اللفظ على حقيقته إلى أن يقوم هناك قرينة أو شاهد على الخروج عنها، وهو ظاهر، وإن رجع إلى تحقيق معنى الأداة ففيه الخلاف المعروف بين النحاة والأصوليين، وهو: أن مدخول " إلى " وما يؤدي مؤداها هل يندرج في المغيا بها، أو لا؟
وعلى الثاني فهل فيه دلالة على خروجه عنه، أو لا يدل على شئ من الأمرين إلا بقرينة من الخارج؟ وهذا الخلاف لا يبتني على تحقيق معنى الغاية، ولا هو مما يتفرع على الخلاف المذكور، فيمكن القول بدخول الغاية وخروج ما بعد الأداة، فيكون وضعها لانتهاء الغاية، بمعنى انقطاعها عندها فلا يكون ما بعدها غاية. ويمكن العكس أيضا فيكون انتهاؤها بانتهاء مدخولها، إذ الغاية هنا بمعنى المسافة فتكون الغاية بالمعنى المذكور خارجة عنها، إلا أن الظاهر من كلماتهم والمعروف في إطلاقاتهم أن يكون ما بعد الأداة غاية، فيكون قولك: " صم إلى الليل " في معنى صم صياما غايته الليل، وذلك يعطي توافقهما في المدلول.
وزعم بعضهم أن خروج غاية الشئ ونهايته عنه ضروري وإنما يتردد لفظ الآخر بين المعنيين لإطلاقه عليهما، وهو كما ترى.