بطن أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا " وقد قيل: إنما أراد من الشعر هجاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: لو كان ذلك المراد لم يكن لتعليق ذلك بالكثرة وامتلاء الجوف معنى، فإن القليل من ذلك ككثيره.
وأجيب عنه: بأنه مجتهد في ذلك، ولا يكون اجتهاده حجة على غيره من المجتهدين المخالفين له، ولو سلم كون ذلك نقلا عن أهل اللغة فهو من نقل الآحاد، فلا ينتهض حجة في إثبات مثل هذه القاعدة اللغوية.
وبأنه معارض بمذهب الأخفش، حيث حكى عنه إنكار المفهوم المذكور، وهو أيضا من أهل اللغة.
وبأنه لا دلالة في كلامه على فهمه نفي الحكم عن فاقد الصفة من مفهوم الوصف، فلعله فهم ذلك من جهة الأصل واختصاص النص بغيره، لا لدلالة اللفظ على نفيه.
والجميع مدفوع. أما الأول فبأن كثيرا مما ذكره أهل اللغة وعلماء العربية مبني على اجتهاده، وقد جرت الطريقة على الرجوع إلى أقوالهم لكونهم من أهل الخبرة، وانسداد سبيل العلم إلى المعاني اللغوية غالبا من غير جهتهم، فلا مناص من الرجوع إلى كلامهم حسب ما قرر في محله.
أو يقال: إن الأصل في جميع ما يذكرونه من اللغة البناء على النقل حتى يتبين الخلاف، وإلا سقط الرجوع إلى كلامهم، وفيه سد لباب إثبات اللغات، ومخالف لما اتفقت الكلمة عليه من الاحتجاج بكلامهم والرجوع إلى كتبهم.
وأما الثاني موهون جدا، فإن المدار في إثبات اللغات على نقل الآحاد.
وأما الثالث فبأن المثبت مقدم على النافي في مقام التعارض، هذا إن ثبت الحكاية المذكورة عن الأخفش، فقد يستفاد من العضدي إنكاره لذلك.
وأما الرابع فبأن ما حكي عنه في غاية الظهور في فهم ذلك من التعليق بالوصف، سيما ما حكي عنه في الرواية الأخيرة، والأظهر في الجواب عنه ما عرفت من حصول الإشعار في التعليق المذكور، وأنه يبلغ درجة الدلالة بعد قيام