القيد ليقع المعارضة بينه وبين إطلاق منطوق الآخر، وإلا فأي منافاة بين ثبوت الحكم في المقيد وثبوته في سائر أفراد المطلق أيضا؟ غاية الأمر أن يكون الدليل على ثبوته في المقيد من وجهين، والدليل على ثبوته في المطلق من وجه واحد، فالاتفاق على ذلك في المقام المذكور ينافي الخلاف الواقع في المقام، مع ذهاب كثير من المحققين في المقام إلى نفي الدلالة.
ويدفعه: أنه ليس ما بنوا عليه من وجوب الحمل من جهة المعارضة بين منطوق الأول ومفهوم الثاني، فرجحوا المفهوم الخاص على إطلاق المنطوق، كيف! ولو كان كذلك لما جرى في الألقاب، لاتفاقهم على المنع من مفهوم اللقب، مع أنه لا كلام أيضا في وجوب الحمل، كما إذا قال لعبده: " إن قدم أبي فأطعم الفقراء، ثم قال: إن قدم أبي فأطعم الفقراء الخبز واللحم " فإنه يجب أيضا حمل المطلق على المقيد من غير فرق بينه وبين غيره اتفاقا، مع أنه لا مفهوم له عند المحققين، بل إنما ذلك من جهة المعارضة بين المنطوقين، فإن الظاهر من الأمر بالمطلق هو الاكتفاء في الامتثال بأي فرد منه ولو كان من غير أفراد المقيد، وظاهر الأمر بالمقيد هو تعين الإتيان به وعدم الاكتفاء بغيره، نظرا إلى ظهور الأمر في الوجوب التعييني فلذا حكموا بحمل المطلق على المقيد جمعا بينهما عملا بهما، لا لما توهم من دلالة الأمر بالمقيد على انتفاء الحكم مع انتفاء القيد.
فإن قلت: على هذا لا ينحصر الأمر في الجمع بينهما في حمل المطلق على المقيد، لجواز حمل الأمر بالمقيد على إرادة الوجوب التخييري.
قلت: أما على القول بكون الأمر مجازا فيه فترجيح الأول ظاهر، إذ لا يستلزم حمل المطلق على المقيد تجوزا في المطلق، ومع تسليمه فشيوع التقييد كاف في ترجيحه. وأما على القول بعدم كونه مجازا فلا ريب في كونه خلاف الظاهر منه. كما أن التقييد مخالف للظاهر أيضا، إلا أن فهم العرف قاضيا بترجيح الثاني عليه، وكفى به مرجحا، وهو الباعث على اتفاقهم عليه، بل ملاحظة الاتفاق عليه كاف فيه من غير حاجة إلى التمسك بغيرها، ولتفصيل الكلام فيه مقام آخر.