وأما لو قلنا بكونها التزامية فهي إنما تتبع إرادة المنطوق، فمع عدم إرادة المنطوق من أين يجئ الدلالة على لازمه؟
هذا، وحجة القول بالتفصيل بين الخبر والإنشاء: أن الجملة الواقعة بعد أدوات الشرط إنما تقع شرطا لحكم المتكلم بالجزاء على ما يشهد به التبادر، كما في قولك: " إذا نزل الثلج فالزمان شتاء ". وقضية ذلك انتفاء الإخبار مع انتفاء الشرط المفروض لانتفاء الحكم المخبر به، إذ عدم حصول الإخبار بشئ لا يستلزم عدمه، بخلاف الانشاء فإن انتفاء الانشاء يستلزم انتفاء أصل الحكم الحاصل بذلك الانشاء، ضرورة أنه ليس هناك واقع مع قطع النظر عن الانشاء الحاصل، فإن حصوله الواقعي تابع لما يدل عليه لفظ " الانشاء ".
وأجيب عنه: بأن الحجة المذكورة لا تفيد نفي الدلالة على الانتفاء في شئ من الصورتين، بل تفيد خلافه، فإن المقصود في المقام دلالة الاشتراط على انتفاء الحكم المعلق على الشرط بانتفائه، وقد قضى به الحجة المذكورة في كل من الصورتين، ويسلمه القائل المذكور، غير أنه يجعل المعلق على الشرط هو الحكم بمعناه المصدري دون النسبة التامة، وهو كلام آخر لا ربط له بدلالة المفهوم وإن كان فاسدا في نفسه، إذ الظاهر كون الشرط شرطا لنفس النسبة لا للحكم بها، كما هو ظاهر من ملاحظة الاستعمالات ومرت الإشارة إليه.
وما يرى من كونه شرطا للحكم في بعض الأمثلة فهو خارج عن ظاهر اللفظ، متوقف على الإضمار أو التجوز، نظرا إلى القرينة القائمة عليه، وليس الكلام فيه، فمرجع التفصيل المذكور إلى التفصيل في دلالة انتفاء الشرط على انتفاء أصل الحكم، أعني النسبة التامة بين الوجهين المذكورين، لا التفصيل في الدلالة على الانتفاء بالنسبة إلى الحكم الذي علق عليه الشرط المذكور، كما هو محط الكلام في المقام، فالقائل المذكور مفصل بالنظر إلى ما يقول الأكثر بإطلاق الانتفاء بالانتفاء بالنسبة إليه، وقائل بإطلاق الانتفاء بالنسبة إلى ما يعتقد (1) تعلق الشرط به.