هذا، وهناك وجوه اخر قد يتمسك بها القائل بنفي المفهوم المذكور، لا بأس بالإشارة إلى جملة منها:
منها: أنه لو دلت لكانت بإحدى الدلالات الثلاث، وكلها منتفية. أما المطابقة والتضمن فظاهر، كيف؟ ولو دل عليه بأحد الوجهين لكان منطوقا. وأما الالتزام فلأن من شروطه اللزوم العقلي أو العرفي، وكلاهما منتفيان في المقام، ضرورة أنه لا ملازمة بين حصول الجزاء عند حصول الشرط وانتفائه عند انتفائه لا عقلا ولا عادة، ولذا لا يراد بها الانتفاء عند الانتفاء في كثير من المقامات.
ويدفعه: اختيار كون الدلالة في المقام تضمنية، حسب ما ذهب إليه بعض المحققين، كما سيجئ الإشارة إليه إن شاء الله تعالى، فلا وجه لدعوى ظهور فساده، ولا لزوم كونه منطوقا، لما عرفت من أن مناط الفرق بين المنطوق والمفهوم - كما نصوا عليه - كون متعلق الحكم مذكورا في أحدهما غير مذكور في الآخر.
وفيه: أن الوجه المذكور خلاف التحقيق، كما سنبينه إن شاء الله، فالأظهر في الجواب أن يقال بحصول الدلالة الالتزامية، لا بدعوى حصول الملازمة بين ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط وعدمه عند عدمه، لوضوح خلافه، بل لأن المفهوم من القضية الشرطية شئ يلزم من إرادته الانتفاء عند الانتفاء: أما عقلا أو عادة أو عرفا، نظرا إلى جريان المخاطبات العرفية على ذلك وانصراف ذلك منه عند الإطلاق.
ومنها: أنه قد جرت الاستعمالات بذكر الشرط تارة وإرادة الانتفاء بالانتفاء، وتارة مع عدم إرادته، وقد وقع استعمال الفصحاء والبلغاء على الوجهين. وقد حكي عن الشيخ الحر: أنه ذكر في الفوائد الطوسية مائة وعشرين آية من القرآن لم يوجد فيها مفهوم الشرط، وذكر أن الآيات التي اعتبر فيها مفهوم الشرط لا تكاد تبلغ هذا المقدار، وكذا الأخبار، وأكثر كلام البلغاء، وحينئذ فكيف يوثق به ويجعل دليلا على إرادة المتكلم له من غير قيام قرينة عليه؟!