بل عزمه أولا على أداء الفعل كاف بالنسبة إلى الأزمنة اللاحقة ما لم يتردد فيه، أو ينوي خلافه، كما هو الحال في النية بالنسبة إلى العبادات الطويلة.
وقد أشار إلى ذلك في البرهان حيث قال: الذي أراه أنهم لا يوجبون تجديد العزم في الجزء الثاني، بل يحكمون بأن العزم الأول ينسحب على جميع الأزمنة المستقبلة كانسحاب النية على العبادات الطويلة مع عزمها. هذا.
وقد ذكر المصنف في الحاشية بعدما أشار إلى الحجتين المذكورتين: أنه إنما عدل عنهما لما هو التحقيق من أن القائلين ببدلية العزم لم يجعلوه بدلا عن نفس الفعل، بل عن إيقاعه، فالمبدل منه هو إيقاعات الفعل في أجزاء الوقت، والبدل هو إيقاعات العزم فيها إلا في الجزء الأخير، فكل واحد منهما متعدد، وكل مبدل يتأتى به ببدله.
وأنت خبير بما فيه، كما مرت الإشارة إليه. وأيضا إيقاع الفعل في الأول قاض بسقوط التكليف فكيف يعقل القول بحصول البدلية وبقاء التكليف مع الإتيان بالبدل؟
والحاصل: أن إيقاعات الفعل وإن كانت متعددة لكن لا يجب الإتيان بها أجمع، بل يكفي إيقاع واحد منها، فكيف! يقال بوجوب المتعدد فيما هو بدل عنه.
ويمكن تنزيل كلامه على ما ذكرناه من وجوب التقديم وقيام العزم مقامه، فما ذكره من تعدد الواجبات والأبدال لا يلزم أن يكون على سبيل الحقيقة، بل يكفي أن يكون ذلك في تحليل العقل حسب ما قدمنا الإشارة إليه.
الثالث: أنه لو كان العزم بدلا لم يجز فعله مع القدرة على المبدل كسائر الأبدال مع القدرة على مبدلاتها.
وضعفه ظاهر، لمنع كون ذلك من أحكام البدل، لوضوح انقسام الأبدال إلى الاختيارية والاضطرارية، وقد أشار إلى ذلك جماعة، منهم السيد في الذريعة، والعلامة في النهاية.
الرابع: أن العزم من أفعال القلوب، ولم يعهد من الشرع إقامة أفعال القلوب مقام أفعال الجوارح، ووهنه ظاهر، إذ لا حجة في مجرد ذلك.