وإنما يسقط الوجوب بفعل البعض، لقيام الاجماع على عدم بقاء التكليف مع الإتيان بالبعض.
ويدفعه: أنا نقول بقيام الوجوب بكل منها، لكن لا على سبيل التعيين، بل على التخيير حسب ما قررنا. فإن أراد به ذلك فحق، ولا يثبت به ما ادعاه. وإن أراد به الوجه الأول فلا ينهض ذلك بإثباته.
وإن شئت قلت: إنه لا مانع من تعلق الوجوب بأحد الشيئين أو الأشياء، فإنه أيضا معنى متعين بحسب الواقع يصح تعلق الوجوب به. ألا ترى أنه يصح أن يوجب المولى على عبده أحد الشيئين فيتحقق امتثاله بأي منهما؟! وقد عرفت أن هذا المعنى يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يكون المطلوب نفس مفهوم أحدهما دون خصوصية كل من الأمرين، وإنما يتعلق الطلب بكل منهما من حيث اتحاده بالمفهوم المذكور. لكن قد عرفت أن ذلك غيره حاصل في المقام، إذ لا مطلوبية للمفهوم المذكور أصلا، وإنما المطلوب خصوص كل من الفعلين أو الأفعال.
ثانيهما: بأن يكون مرآة لملاحظة كل من الأمرين على وجه البدلية، فيتعلق الوجوب بكل منهما تخييرا، وحينئذ فتعلق الأمر بالمفهوم المفروض إنما هو في مجرد اللحاظ والاعتبار، وقيام الوجوب حقيقة بكل من الفعلين أو الأفعال على الوجه الذي قررناه، فيرجع ذلك إلى التقرير الأول.
وهناك وجه ثالث، وهو: أن يكون أحدهما ملحوظا على جهة الإيهام فلا يتعلق الوجوب بالأمر الكلي الشامل للأمرين الحاصل بحصول أي منهما. وهذا الوجه هو الذي أبطله المستدل، وهو فاسد كما زعمه، إلا أنه لا ينحصر الأمر فيه.
واحتج على كون الواجب واحدا معينا في الواقع - على ما قيل به في كل من القولين الأخيرين من كون الواجب واحدا معينا - بأنه لو فعل الجميع فالمقتضي لسقوط المفروض: إما الجميع، وإما كل واحد، وإما واحد مبهم أو معين. لا سبيل إلى الأول وإلا لزم وجوب الجميع، ولا الثاني للزوم توارد العلل المستقلة على