إذا كان للمكلف مندوحة عن الخروج عن عهدة التكليف كما في المقام، حيث يقال بالاكتفاء في الامتثال بإتيانه أو إتيان أحد أبداله.
وأما الوجهان الآخران وإن احتملا في المقام - وربما يستفاد من بعض الأدلة المذكورة للمذهب المختار ما يفيد إبطالهما فتومئ إلى كون ذلك مقصود القائل بتعلقه بأحدهما - فهما موهونان جدا، كما لا يخفى، وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
ومنها: أن الواجب هو الجميع، لكنه يسقط بفعل البعض. كما أن الكفائي يجب على جميع المكلفين ويسقط بفعل بعضهم، فلو ترك الجميع استحق العقاب على كل منها، ولو أتى بالجميع استحق الثواب كذلك. وهذا القول محكي عن البعض، وربما يحكى عن السيد والشيخ، وهو غلط.
ومنها: أن الواجب واحد معين لا يختلف الحال فيه، لكنه يسقط التكليف بالإتيان به أو بالآخر. وقد حكي ذلك قولا في المقام، وهو أحد الوجوه في تفسير أحدهما كما عرفت. والظاهر أن ذلك هو الذي احتمله الشيخ في العدة في تفسير القول بوجوب أحدهما، حيث إنه بعد احتماله إرجاع القول المذكور إلى المختار وقوله: إن ذلك يكون خلافا في عبارة لا اعتبار به قال: وإن قال: إن الذي هو لطف ومصلحة واحد من الثلاثة، والثنتان ليس لهما صفة الوجوب، فذلك يكون خلافا في المعنى، ثم احتج على إبطاله.
ومنها: أن الواجب واحد معين عند الله، لكنه يختلف بحسب اختلاف المكلفين فيكشف ما يختاره المكلف أن ذلك هو الواجب في شأنه، وهذا هو الذي حكاه المصنف، وذكر - تبعا للعلامة في النهاية - إسناد كل من الأشاعرة والمعتزلة ذلك إلى صاحبه، تبري الفريقين منه. وقد حكاه العضدي عن بعض المعتزلة.
وأنت بعد التأمل في جميع ما ذكرنا تعرف أن الإيراد المتوهم في المقام يندفع عما يقتضيه ظاهر الأمر من وجوب الجميع على وجه التخيير، حسبما ذكر في الوجه الأول، فلا حاجة إلى التزام التمحل اللازم على سائر الأقوال المذكورة،