وقوله:
رب من أنضجت غيظا صدره * قد تمنى لي موتا لم يطع والطاعة تتبع الأمر في الصدق.
ووهن الجميع ظاهر لا حاجة فيه إلى التفصيل.
ثم إن المعتبر من العلو هو العلو العرفي على نحو يصحح الأمر، وكأن المعتبر منه ارتفاع يقضي بالتزام طاعته في العرف، لا خصوص العلو الذي يوجب طاعته عقلا أو شرعا، كما هو ظاهر من ملاحظة الاستعمالات العرفية في إطلاق الأمر على طلب السلطان من الرعية، والرئيس من المرؤوسين، والمخدوم من الخدام مع عدم وجب الطاعة هناك بشئ من الوجهين في شئ منها وإن لزمت طاعتهم بملاحظة العرف.
وأيضا الوجوب العقلي أو الشرعي مما لا ربط له بالأوضاع اللغوية فلو اعتبر وجوب الطاعة فيه لم يزد على اعتبار لزومها في العرف.
فما في كلام بعض الأفاضل من تفسيره: العالي بمن كان له تفوق يوجب طاعته عقلا أو شرعا كما ترى، وكأنه أخذ ذلك من دلالة لفظ " الأمر " على الوجوب حسب ما يأتي الإشارة اليه إن شاء الله تعالى.
وفيه: أن ما قرره في ذلك المقام غير متجه، والوجوب المدلول عليه بالصيغة ليس خصوص الوجوب العقلي أو الشرعي كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى، فاعتبار ذلك مما لا وجه له أصلا.
على أن مجرد وجوب الإتيان بما يطلبه عقلا أو شرعا لا يكفي في صدق الأمر، كيف! ولو كان كذلك لزم أن يكون الداني آمرا إذا التزم العالي شرعا بنذر وشبهه بإجابة مسؤوله، كما إذا نذر السيد أن يجيب مسألة عبده، فيلزم انقلاب السؤال بذلك أمرا، وهو بين الفساد، إلا أن يعتبر مع ذلك العلو العرفي أيضا، كما قد يومئ اليه تعبيره عنه بالتفوق الذي يوجب طاعته عقلا أو شرعا، فيكون المعتبر عنده هو العلو العرفي المقيد بذلك، وهو كما ترى إذ كان مقصوده بالتفوق في المقام هو كونه بحيث يجب الإتيان بما يطلبه عقلا أو شرعا، فتأمل.