ومما يشير إلى ذلك انحصار الطلب الصادر من المتكلم في الأمر والالتماس والدعاء ومن البين عدم اندراج ذلك في الأخيرين، فيتعين اندراجه في الأول.
والحاصل: أنهم يعدون الخطاب الصادر من العالي أمرا إذا لم يستخفض نفسه، وليس ذلك من جهة استظهار ملاحظة العلو لظهور صدقه مع العلم بغفلته أو الشك فيها أو الشك في اعتباره بملاحظة خصوص المقام.
والمناقشة بأن حال العالي لما اقتضت ملاحظة العلو في خطابه لمن هو دونه وكان بانيا على ذلك في طلبه جرى ذلك مجرى استعلائه ولو مع غفلته حين إلقاء الصيغة عن تلك الملاحظة مدفوعة بأن عد مجرد ذلك استعلاء محل منع. ومع الغض عنه فقد يخلو المقام عن ملاحظة الاستعلاء قطعا، كما إذا رأى السيد أحدا وشك في كونه عبده أو رجلا آخر مساويا له أو أعلى فطلب منه شيئا بصيغة الأمر، فإن الظاهرة عده أمرا إذا كان عبده بحسب الواقع، ولذا لو عصى العبد مع علمه بكون الطالب مولاه عد في العرف عاصيا لأمر سيده وذمه العقلاء لأجل ذلك، مع أنه لا دليل إذن على اعتبار الاستعلاء.
وأما عدم صدقه مع استخفاض العالي نفسه بجعلها مساوية مع المخاطب أو أدنى فلظهور عده إذن ملتمسا أو داعيا في العرف، كما أنه يعد المساوي أو الداني مع استعلائه آمرا.
فصار الحاصل: أن الطلب الحاصل بالأمر أو الالتماس أو الدعاء إنما ينقسم إلى ذلك بملاحظة علو الطالب أو مساواته أو دنوه بحسب الواقع، أو في ملاحظته على سبيل منع الخلو، والعرف شاهد عليه.
والظاهر أن الطلب لا يكون إلا على أحد الوجوه المذكورة، وفي ذلك أيضا شهادة على ما اخترناه، وحيث علمت اعتبار الاستعلاء أو العلو على النحو المذكور في مفهوم الأمر كان دالا على ملاحظة العلو على أحد الوجهين، سواء أريد به الطلب أو نفس الصيغة، وأما مصداقه من الصيغة أو الطلب فلا يعتبر في صدقه الأمر عليه ملاحظة العلو فيه لما عرفت من صدقه على الصيغة أو الطلب