وتعيين تلك الألفاظ للتعبير عن تلك المعاني، كيف! والأمر الباعث على النقل فيما عرفت نقلها بالاستقراء المذكور أولا هو الباعث على النقل في الباقي.
وبالجملة: أن استفادة ذلك من ملاحظة جملة من الألفاظ المذكورة غير بعيد لمن تأمل في المقام بعد استنباط جهة النقل فيها من استقراء خصوصياتها.
وفيه أيضا طريق ثالث يستفاد منه أيضا عموم الوضع، وهو أنا إذا استقرأنا طريقة أرباب العلوم المدونة كالنحو والتصريف والبيان والمنطق وغيرها وكذا أرباب الحرف والصناعات على كثرتها وجدناهم قد وضعوا ألفاظا خاصة بإزاء كل ما يحتاجون إلى بيانها ويتداول بينهم ذكرها، لئلا يقع الخلط والاشتباه ولا يطول المقام بذكر القرينة من غير طائل، ومن البين أن اهتمام الشارع في بيان الشريعة أعظم من اهتمامهم في حرفهم وصنائعهم، وملاحظته للحكم أكثر من ملاحظتهم والاحتياج إلى أداء تلك المعاني أعظم من الاحتياج إليها والاهتمام بشأنها أشد من الاهتمام بغيرها، وقضية ذلك وقوع النقل من صاحب الشريعة بالأولى.
وبالجملة: أن المستفاد من استقراء الحال في سائر أرباب الصناعات العلمية والعملية الظن بوقوع ذلك عن صاحب الشريعة أيضا، فمرجع الاستقراء أيضا إلى وجوه ثلاثة وإن كان الوجه الأول منها مأخوذا في الثاني.
ومنها: أن ذلك هو المستفاد مما ورد في الأخبار في بيان جملة، منها:
كقوله (عليه السلام): " الصلاة: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود " (1) والتعبير بنحو ذلك وما يقرب منها كثير في الأخبار وقد وردت في عدة من الألفاظ وهو ظاهر فيما قلناه، فإن ظاهر الحمل قاض بكونه حقيقة في المعنى المذكور كما يستفاد ذلك من تعبيرات أهل اللغة.
ومنها: دليل الحكمة، فإن من المقرر في مباحث الألفاظ أن كل معنى تشتد الحاجة اليه يجب في الحكمة وضع لفظ بإزائه، ومن البين شدة الحاجة إلى المعاني