والحيوية التي كان الشيخ يتمتع بهما، فقد جد الشيخ ودأب ونشط نشاط منقطع النظير فكان لا يتوانى ولا يكل عن إلقاء الدروس والمحاضرات في مختلف العلوم الاسلامية والكتابة عنها وتربية الطلاب وتنشئتهم، فخلال فترة أربعة عقود (448 - 408 ه) أنتج الشيخ 45 مؤلفا، وربى عشرات الطلاب، وساهم مساهمة جليلة في تنمية الحضارة الاسلامية ببغداد في داره ونهبت كتبه وأحرق كرسيه ونجا بنفسه ولجأ إلى النجف الأشرف خبت تلك الشعلة الوهاجة، وأطفأت اشعاعاته الفكرية، واقتصر نشاطه على إلقاء بعض المحاضرات - وفي فترات متباعده - على مجموعة صغيرة من الطلاب، وتلك المحاضرات لم تكن من حيث الشمول والسعة والتنوع كما كانت ببغداد. وخلال السنوات الإثنتي عشرة التي قضاها الشيخ في النجف لم يؤلف سوى كتابين - إن صدقت التسمية - الأول وهو كتاب " اختبار معرفة الرجال " حيث لخص كتاب " رجال الكشي "، وتأليفه هذا لا يعدو تلخيصا وتهذيبا لكتاب الكشي دون أن يضيف إليه الشيخ من نفسه شيئا، والآخر كتاب " الأمالي " وهو عبارة عن مجموعة الروايات التي كان الشيخ يقررها على مستمعيه وأغلبها روايات في فضائل أهل البيت - عليهم السلام - سمعها الشيخ من مشايخه ببغداد وقد جمع معظمها ولده الشيخ أبي علي الطوسي - رحمه الله - ويتحدث الباحث حسن عيسى الحكيم عن هذه الفترة بقوله: (ويلا حظ الدارس ظاهرة غريبة في حياة الشيخ الطوسي في الفترة الأخيرة التي عاشها في النجف الأشرف وخلص فيها كليا للدرس والمحاضرة، هي قلة انتاجه الفكري رغم أنها فترة امتدت نحو اثني عشر عاما... ولعل هذا ناتج من قناعته لكفاية إنجازاته
(مقدمة ٣٦)