السلطان محمود الغزنوي بحملة ضارية أخرى " وحول من الكتب خمسون حملا ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلوبين إذ كان أصول البدع " (1).
ففي أثناء هذه المحنة عزم الشيخ الطوسي مغادرة خراسان فيمم وجهه صوب مدينة السلام، تلك المدينة التي كانت مهبط العلماء، ومهوى الطلاب، وموئل الفقيه والمحدث والفيلسوف والمتكلم، بل الدهري والزنديق والملحد، حيث مجالس العلم والاملاء والاستملاء والمناظرة عامرة، كل ذلك في ظلال الدولة البويهية، تلك الدولة الشيعية التي إستضافت وبرحابة الصدر جميع المذاهب والفرق والنحل وحتى تلك التي كانت تعادي الشيعة بل وتكفرها، فسلكوا سبيلا وسطا تجاه جميع الميول والاتجاهات والفرق، فلم يتحزبوا لفئة معينة على حساب فئة أخرى، ولم ينحازوا إلى رأي خاص بل تركوا الناس أحرارا في معتقداتهم وآرائهم، وهكذا بسطوا الأمن في تلك الربوع الشاسعة التي حكموها قرنا من الزمن، وسوف نعود إلى الحديث عنهم حين استعراضنا للأوضاع الاجتماعية ببغداد في القرن الخامس الهجري.