وولده إلى جنبه وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون فقيل له ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أزهد الناس في الدنيا الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون " وذلك فيما أنزل الله عز وجل قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين - إلى قوله - فقل إني برئ مما تعملون)، وقوله تعالى (وتوكل على العزيز الرحيم) أي في جميع أمورك فإنه مؤيدك وحافظك وناصرك ومظفرك ومعلي كلمتك وقوله تعالى (الذي يراك حين تقوم) أي هو معتن بك كما قال تعالى (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) قال ابن عباس (الذي يراك حين تقوم) يعني إلى الصلاة وقال عكرمة يرى قيامه وركوعه وسجوده وقال الحسن (الذي يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك وقال الضحاك (الذي يراك حين تقوم) أي من فراشك أو مجلسك. وقال قتادة (الذي يراك) قائما وجالسا وعلى حالاتك وقوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) قال قتادة (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) قال في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجمع وهذا قول عكرمة وعطاء الخراساني والحسن البصري وقال مجاهد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه. ويشهد لهذا ما صح في الحديث " سووا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري " وروى البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيا.
وقوله تعالى (إنه هو السميع العليم) أي السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وسكناتهم كما قال تعالى (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) الآية.
هل أنبئكم على من تنزل الشيطين (121) تنزل على كل أفاك أثيم (222) يلقون السمع وأكثرهم كذبون (223) والشعراء يتبعهم الغاوون (224) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون (225) وأنهم يقولون ما لا يفعلون (226) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (227) يقول تعالى مخاطبا لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحق وأنه شئ افتعله من تلقاء نفسه أو أنه أتاه به رئي من الجان فنزه الله سبحانه وتعالى جناب رسوله عن قولهم وافترائهم ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله وأنه تنزيله ووحيه نزل به ملك كريم أمين عظيم وأنه ليس من قبل الشياطين فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة. ولهذا قال تعالى (هل أنبئكم) أي أخبركم.
(على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم) أي كذوب في قوله وهو الأفاك (أثيم) وهو الفاجر في أفعاله. فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة فإن الشياطين أيضا كذبة فسقة (يلقون السمع) أي يسترقون السمع من السماء فيسمعون الكلمة من علم الغيب فيزيدون معها مائة كذبة ثم يلقونها إلى أوليائهم من الانس فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء كما صح بذلك الحديث كما رواه البخاري من حديث الزهري أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال " إنهم ليسوا بشئ " قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشئ يكون حقا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج فيخلطون معها أكثر من مائه كذبة " وروى البخاري أيضا حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر وقال سمعت عكرمة سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض - وصفه سفيان بيده فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " تفرد به البخاري وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس