أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى أمين (39) قال الذي عنده علم من الكتب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربى ليبلوني أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم (40) قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكابرته شيئا وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت عليه الأبواب ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ولا يرينه أحد حتى آتيك ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال " يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين " وقال قتادة لما بلغ سليمان أنها جائية وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه وكان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وجوهر وكان مسترا بالديباج والحرير فكانت عليه تسعة مغاليق فكره أن يأخذه بعد إسلامهم وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم ودماؤهم فقال (يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي وزهير بن محمد (قبل أن يأتوني مسلمين) فتحرم علي أموالهم بإسلامهم (قال عفريت من الجن) قال مجاهد أي مارد من الجن قال شعيب الجبائي وكان اسمه كوزن وكذا قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان وكذا قال أيضا وهب بن منبه قال أبو صالح وكان كأنه جبل (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) قال ابن عباس رضي الله عنه يعني قبل أن تقوم من مجلسك وقال مجاهد مقعدك وقال السدي وغيره كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تزول الشمس (وإني عليه لقوي أمين) قال ابن عباس أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجوهر فقال سليمان عليه الصلاة والسلام أريد أعجل من ذلك ومن ههنا يظهر أن سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ولا يكون لاحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لان هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه هذا وقد حجبته بالاغلاق والاقفال والحفظة فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك (قال الذي عنده علم من الكتاب) قال ابن عباس وهو آصف كاتب سليمان وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم وقال قتادة كان مؤمنا من الانس واسمه آصف وكذا قال أبو صالح والضحاك وقتادة إنه كان من الانس زاد قتادة من بني إسرائيل وقال مجاهد كان اسمه أسطوم قال قتادة في رواية عنه كان اسمه بليخا وقال زهير بن محمد هو رجل من الانس يقال له ذو النور وزعم عبد الله بن لهيعة أنه الخضر وهو غريب جدا وقوله (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أي ارفع بصرك وانظر مد بصرك مما تقدر عليه فإنك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك وقال وهب ابن منبه أمدد بصرك فلا يبلغ مداه حتى آتيك به فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى قال مجاهد قال يا ذا الجلال والاكرام وقال الزهري قال: يا إلهنا وإله كل شئ إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها قال فمثل بين يديه قال مجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق وزهير بن محمد وغيرهم لما دعا الله تعالى وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس وكان في اليمن وسليمان عليه السلام ببيت المقدس غاب السرير وغاص في الأرض ثم نبع من بين يدي سليمان وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يشعر سليمان إلا وعرشها يحمل بين يديه قال وكان هذا الذي جاء به من عباد البحر فلما عاين سليمان وملاه ذلك ورآه مستقرا عنده (قال هذا من فضل ربي) أي هذا من نعم الله علي (ليبلوني) أي ليختبرني (أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) كقوله (من عمل صالحا فلنفسه
(٣٧٦)