قال أبو بلخ وأحسب أنه قال " فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم " قال فقلت لعمرو قال أبو بلخ قال عمرو قلت لأبي هرير ة لا حول ولا قوة إلا بالله فقال لا إنها في سورة الكهف " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ". وقوله: " فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك " أي في الدار الآخرة " ويرسل عليها " أي على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى " حسبانا من السماء " قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومالك عن الزهري أي عذابا من السماء والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها ولهذا قال " فتصبح صعيدا زلقا " أي بلقعا ترابا أملس لا يثبت فيه قدم وقال ابن عبا أأسجد: كالجرز الذي لا ينبت شيئا وقوله: " أو يصبح ماؤها غورا " أي غائرا في الأرض وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض فالغائر يطلب أسفلها كما قال تعالى " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين " أي جار وسائح وقال ههنا " أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا " والغور مصدر بمعنى غائر وهو أبلغ منه كما قال الشاعر:
تظل جياده نوحا عليه تقلده أعنتها صفوفا بمعنى نائحات عليه وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (43) هنالك الولية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا (44) يقول تعالى " وأحيط بثمره " بأمواله أو بثماره على القول الآخر والمقصود أنه وقع بهذا الكافر ما كان يحذر مما خوفه به المؤمن من إرسال الحسبان على جنته التي اغتر بها وآلهته عن الله عز وجل " فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها " وقال قتادة يصفق كفيه متأسفا متلهفا على الأموال التي أذهبها عليها " ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا * ولم تكن له فئة " أي عشيرة أو ولد كما افتخر بهم واستعز ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا * هنالك الولاية لله الحق " اختلف القراء ههنا فمنهم من يقف على قوله " وما كان منتصرا هنا لك " أي في ذلك الموطن الذي حل به عذاب الله فلا منقذ له منه ويبتدئ بقوله: " الولاية لله الحق " ومنهم من يقف على " وما كان منتصرا ويبتدئ بقوله هنالك الولاية لله الحق ثم اختلفوا في قراءة الولاية فمنهم من فتح الواو من الولاية فيكون المعنى هنالك الموالاة لله أي هنا لك كل أحد مؤمن أو كافر يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب كقوله " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين " وكقوله إخبارا عن فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " ومنهم من كسر الواو من الولاية أي هنالك الحكم لله الحق ثم منهم من رفع الحق على أنه نعت للولاية كقوله تعالى " الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا " ومنهم من خفض القاف على أنه نعت لله عز وجل كقوله: " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق " الآية ولهذا قال تعالى " هو خير ثوابا " أي جزاء " وخير عقبا " أي الأعمال التي تكون لله عزو جل ثوابها خير وعاقبتها حميدة رشيدة كلها خير.
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الريح وكان الله على كل شئ مقتدرا (45) المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا (46) يقول تعالى " واضرب " يا محمد للناس " مثل الحياة الدنيا " في زوالها وفنائها وانقضائها " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض " أي ما فيها من الحب فشب وحسن وعلاه الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله