قال قتادة تلك والله أمنية الفاجر كثرة المال وعزة النفر وقوله " ودخل جنته وهو ظالم لنفسه " أي بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره المعاد قال " ما أظن أن تبيد هذه أبدا " وذلك اغترار منه لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف وذلك لقلة عقله وضعف يقينه بالله وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها وكفره بالآخرة ولهذا قال " وما أظن الساعة قائمة " أي كائنة " ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا " أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا كما قال في الآية الأخرى " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " وقال " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا " أي في الدار الآخرة تألى على الله عز وجل. وكان سبب نزولها في العاص بن وائل كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا الله هو ربي ولا أشرك بربي أحدا (38) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا (39) فعسى ربي إن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (40) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (41) يقول تعالى مخبرا عما أجابه به صاحبه المؤمن واعظا له وزاجرا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار " أكفرت بالذي خلقك من تراب " الآية وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه وابتدأ خلق الانسان من طين وهو آدم ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين كما قال تعالى: " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم " الآية أي كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية كل أحد يعلمها من نفسه فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما ثم وجد وليس وجوده من نفسه ولا مستندا إلى شئ من المخلوقات لأنه بمثابته فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شئ ولهذا قال المؤمن. " لكنا هو الله ربي " أي لكن أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية " ولا أشرك بربي أحدا " أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له. ثم قال " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " هذا تحضيض وحث على ذلك أي هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمد ت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال أو لولد ما لم يعطه غيرك وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شئ من حاله أو ماله أو ولده فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا جراح بن مخلد حدثنا عمر بن يونس حدثنا عيسى بن عون حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت " وكان يتأول هذه الآية " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله " قال الحافظ أبو الفتح الأزدي عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وحجاج حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " تفرد به أحمد وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " وقال الإمام أحمد: حدثنا بكير بن عيسى حدثنا أبو عوانة عن أبي بلخ عن عمرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش "؟ قال قلت فداك أبي وأمي قال " أن تقول لا قوة إلا بالله "