مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (49) يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظام كما قال تعالى: " يوم تمور السماء مورا * وتسير الجبال سيرا " أي تذهب من أماكنها وتزول كما قال تعالى " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " وقال تعالى " وتكون الجبال كالعهن المنفوش " وقال " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " يذكر تعالى بأنه تذهب الجبال وتتساوى المهاد وتبقى الأرض قاعا صفصفا أي سطحا مستويا لا عوج فيه ولا أمتا أي لا وادي ولا جبل ولهذا قال تعالى " وترى الأرض بارزة " أي بادية ظاهرة ليس فيها معلم لاحد ولا مكان يواري أحدا بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية. قال مجاهد وقتادة " وترى الأرض بارزة " لا حجر فيها ولا غيابة قال قتادة: لأبناء ولا شجر.
وقوله " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " أي وجمعناهم الأولين منهم والآخرين فلم نترك منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا كما قال " قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " وقال " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ". وقوله " وعرضوا على ربك صفا " يحتمل أن يكون المراد أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفا واحدا كما قال تعالى " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا " ويحتمل أنهم يقومون صفوفا صفوفا كما قال " وجاء ربك والملك صفا صفا " وقوله " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " هذا تقريع للمنكرين للمعاد، وتوبيخ لهم على رؤوس الاشهاد، ولهذا قال تعالى مخاطبا لهم " بل زعمتم أن لن نجعل لكم لهم على رؤوس الاشهاد ولهذا قال تعالى مخاطبا لهم " بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا " أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ولا أن هذا كائن.
وقوله " ووضع الكتاب " أي كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والصغير والكبير " فترى المجرمين مشفقين مما فيه " أي من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة ويقولون يا ويلتنا أي يا حسرتنا وويلنا على ما فرط في أعمارنا " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " أي لا يترك ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا عملا وإن صغر إلا أحصاها أي ضبطها وحفظها. وروى الطبراني بإسناده المتقدم في الآية قبلها إلى سعد ابن جنادة قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شئ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اجمعوا من وجد عودا فليأت به ومن وجد حطبا أو شيئا فليأت به " قال فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة فإنها محصاة عليه ". وقوله " ووجدوا ما عملوا حاضرا " أي من خير وشر كما قال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا " الآية وقال تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " وقال تعالى " يوم تبلى السرائر " أي تظهر المخبآت والضمائر قال الإمام أحمد: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به " أخرجاه في الصحيحين وفي لفظ " يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته يقال هذه غدرة فلان بن فلان " وقوله " ولا يظلم ربك أحدا " أي فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعا ولا يظلم أحدا من خلقه بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله ويملا النار من الكفار وأصحاب المعاصي ثم ينجي أصحاب المعاصي ويخلد فيها الكافرين وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم قال تعالى " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها " الآية وقال " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا - إلى قوله - حاسبين " والآيات في هذا كثيرة وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعير ثم شددت عليه رحلا فسرت عليه شهرا حتى