أنه كان يدعو " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " وقوله " فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا " أي ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة " ثم بعثناهم " أي من رقدتهم تلك وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاما يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله ولهذا قال " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين " أي المختلفين فيهم " أحصى لما لبثوا أمدا " قيل عددا وقيل غاية فإن الأمد الغاية كقوله: سبق الجواد إذا استولى على الأمد.
نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم قتيبة آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا (14) هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا (15) وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا (16) من ههنا شرع في بسط القصة وشرحها فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب وهم أقبل للحق أهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابا وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل. هكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا وقال مجاهد: بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني الحلق فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم فآمنوا بربهم أي اعترفوا له بالوحدانية وشهدوا أنه لا إله إلا هو " وزدناهم هدى " استدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الايمان وتفاضله وأنه يزيد وينقص ولهذا قال تعالى " وزدناهم هدى " كما قال " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " وقال " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون " وقال ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك. وقد ذكر أنهم كانوا على دين المسيح عيسى ابن مريم فالله أعلم والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية فإنهم لو كانوا على دين النصرانية لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم لمباينتهم لهم وقد تقدم عن ابن عباس أن قريشا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء وعن خبر ذي القرنين وعن الروح فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب وأنه متقدم على دين النصرانية والله أعلم. وقوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض " يقول تعالى وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السماوات والأرض فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية فكان أول من جلس منهم وحده أحدهم جلس تحت ظل شجرة فجاء الآخر فجلس إليها عنده وجاء الآخر فجلس إليهما وجاء الآخر فجلس إليهم وجاء الآخر وجاء الاخر ولا يعرف واحد منهم الآخر وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الايمان كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري تعليقا من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم