قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله: قلت نعم فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الله عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلا بهما " قلت وما بهما؟ قال " ليس معهم شئ ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لاحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ولا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه حتى اللطمة قال: قلنا كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما؟ قال " بالحسنات والسيئات " وعن شعبة عن العوام بن مزاحم عن أبي عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة " رواه عبد الله بن الإمام أحمد وله شواهد من وجوه أخر وقد ذكرناها عند قوله تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا " وعند قوله تعالى " إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون ".
وإذ قلنا للملكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (50) يقول تعالى منبها بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم ومقرعا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه وهو الذي أنشأه وابتدأه وبألطافه رزقه وغذاه ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله فقال تعالى " وإذ قلنا للملائكة " أي لجميع الملائكة كما تقدم تقريره في أول سورة البقرة " اسجدوا لآدم " أي سجود تشريف وتكريم وتعظيم كما قال تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " وقوله " فسجدوا إلا إبليس كان من الجن " أي خانه أصله فإنه خلق من مارج من نار وأصل خلق الملائكة من نور كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه وخانه الطبع عند الحاجة وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة " ونبه تعالى ههنا على أنه من الجن أي على أنه خلق من نار كما قال " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقتني من طين " قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل البشر رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه وقال الضحاك عن ابن عباس: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان اسمه الحارث وكان خازنا من خزان الجنة وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت وقال الضحاك أيضا عن ابن عباس: كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله واستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم " فاستكبر وكان من الكافرين " قال ابن عباس قوله " كان من الجن " أي من خزان الجنان كما يقال للرجل مكي ومدني وبصري وكوفي وقال ابن جريج عن ابن عباس نحو ذلك وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هو من خزان الجنة وكان يدبر أمر السماء الدنيا رواه ابن جرير من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد به وقال سعيد بن المسيب كان رئيس