تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ٥٧٢
العنق اكتفى بذكر العنق عن اليدين قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) قال هو كقوله عز وجل (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير. وقال مجاهد (فهم مقمحون) قال رافعي رؤوسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم فهم مغلولون عن كل خير وقوله تعالى (وجعلنا من بين أيديهم سدا) قال مجاهد عن الحق (ومن خلفهم سدا) قال مجاهد: عن الحق فهم مترددون. وقال قتادة في الضلالات وقوله تعالى (فأغشيناهم) أي أغشينا أبصارهم عن الحق (فهم لا يبصرون) أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ (قأغشيناهم) بالعين المهملة من العشا وهو داء في العين وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله تعالى هذا السد بينهم وبين الاسلام والايمان فهم لا يخلصون إليه وقرأ (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) ثم قال: من منعه الله تعالى لا يستطيع. وقال عكرمة قال أبو جهل لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن فأنزلت (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا - إلى قوله - فهم لا يبصرون) قال وكانوا يقولون هذا محمد فيقول أين هو أين هو؟ لا يبصره رواه ابن جرير، وقال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه فجعل يذرها على رؤوسهم ويقرأ (يس * والقرآن الحكيم - حتى انتهى إلى قوله تعالى - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار فقال مالكم؟ قالوا ننتظر محمدا قال قد خرج عليكم فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم ذهب لحاجته فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب.
قال وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: " وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحا وإنه لآخذهم " وقوله تبارك وتعالى (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أي قد ختم الله عليهم بالضلالة فما يفيد فيهم الانذار ولا يتأثرون به وقد تقدم نظيرها في أول سورة البقرة وكما قال تبارك وتعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) (إنما تنذر من اتبع الذكر) أي إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعون الذكر وهو القرآن العظيم (وخشي الرحمن بالغيب) أي حيث لا يراه أحد إلا الله تبارك وتعالى يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بما يفعل (فبشره بمغفرة) أي لذنوبه (وأجر كريم) أي كثير واسع حسن جميل كما قال تبارك وتعالى (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير). ثم قال عز وجل (إنا نحن نحيي الموتى) أي يوم القيامة وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة فيهديهم بعد ذلك إلى الحق كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) وقوله تعالى (ونكتب ما قدموا) أي من الأعمال وفي قوله تعالى (وآثارهم) قولان (أحدهما) نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم وآثارهم التي آثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا إن خيرا فخير وإن شرا فشر كقوله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الاسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ " رواه مسلم من رواية شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وفيه قصة مجتابي الثمار المضريين ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن يحيى بن سليمان الجعفي عن أبي المحياة يحيى بن يعلى عن عبد الملك بن عمير عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث بطوله ثم تلا هذه الآية (ونكتب ما قدموا وآثارهم) وقد رواه مسلم من رواية أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير بن المنذر بن جرير عن أبيه فذكره وهكذا
(٥٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة سبحان 3
2 قصة الاسراء والمعراج 3
3 إيتاء سيدنا موسى عليه السلام التوراة 26
4 كتاب الاعمال 29
5 بعثة الرسل 31
6 المترفين 35
7 القرون الماضية بعد نوح 36
8 هلاك من آثر الدنيا على الآخرة 36
9 الامر بالتوسط في الانفاق 40
10 تكريم بنى آدم 55
11 الكلام على الروح 64
12 لو اجتمع الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا 66
13 إيتاء موسى عليه السلام التسع آيات 70
14 تفسير سورة الكهف 74
15 قصة أصحاب الكهف 77
16 قصة صاحب الجنتين 87
17 قصة سيدنا موسى مع الخضر 97
18 قصة ذو القرنين 106
19 تفسير سورة مريم 116
20 قصة سيدنا زكريا عليه السلام 116
21 قصة السيدة مريم 120
22 قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام 129
23 قصة سيدنا موسى عليه السلام 131
24 قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام 132
25 قصة سيدنا إدريس عليه السلام 133
26 المرور على الصراط 138
27 تفسير سورة طه 148
28 قصة سيدنا موسى مع فرعون 151
29 تفسير سورة الأنبياء 181
30 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 190
31 قصة سيدنا داود وسليمان 195
32 قصة سيدنا أيوب عليه السلام 197
33 قصة سيدنا يونس عليه السلام 200
34 تفسير سورة الحج 212
35 اذان سيدنا إبراهيم بالحج 225
36 دفاع الله عن المؤمنين 235
37 تفسير سورة المؤمنون 248
38 بيان كيفية خلق الانسان 250
39 تفسير سورة النور 270
40 ما جاء في اللعان 275
41 قصة الافك 279
42 الامر بالاستئذان 289
43 امر المؤمنين بغض ابصارهم 292
44 امر المؤمنات بغض أبصارهن 293
45 الامر بنكاح الأيامى المؤمنات 297
46 تفسير قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض 300
47 الامر ببناء المساجد وتعظيمها 303
48 تفسير سورة الفرقان 319
49 صفات عباد الرحمن 336
50 تفسير سورة الشعراء 343
51 قصة سيدنا موسى مع فرعون 344
52 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 350
53 قصة سيدنا نوح مع قومه 353
54 قصة سيدنا هود مع قومه 353
55 قصة سيدنا لوط مع قومه 357
56 قصة سيدنا شعيب مع قومه 357
57 تفسير سورة النمل 368
58 قصة سيدنا موسى مع فرعون 369
59 قصة سيدنا داود وسليمان 370
60 قصة سيدنا صالح مع قومه 379
61 قصة الدابة التي تخرج من الأرض 386
62 النفخ في الصور 389
63 تفسير سورة القصص 391
64 نيا سيدنا موسى مع فرعون 391
65 قصة قارون 409
66 تفسير سورة العنكبوت 415
67 نبا سيدنا نوح مع قومه 417
68 نبا سيدنا إبراهيم عليه السلام 418
69 تفسير سورة الروم 432
70 الآيات الدالة على قدرته عز وجل 438
71 تفسير سورة لقمان 450
72 وصية لقمان لابنه 453
73 فصل في الخمول والتواضع 456
74 باب ما جاء في الشهرة 457
75 فصل في حسن الخلق 458
76 فصل في ذم الكبر 458
77 فصل في الاختيال 459
78 تفسير سورة السجدة 465
79 صفات المؤمنين 467
80 تفسير سورة الأحزاب 473
81 النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الخ 476
82 اخذ العهد على الأنبياء 477
83 الامر بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 483
84 فضل أمهات المؤمنين 490
85 ما أعده الله للمؤمنين والمؤمنات 495
86 الامر بالاكثار من ذكر الله 502
87 آية الحجاب 511
88 الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 514
89 امر المؤمنات بتطويل الثياب 526
90 تفسير سورة سبا 532
91 تسخير الريح والجن لسيدنا سليمان 535
92 قصة سبا 538
93 ارسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة 546
94 تفسير سورة فاطر 554
95 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها 554
96 الكلام على قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله 559
97 الكلام على قوله تعالى: ان الذين يتلون كتاب الله... الخ 561
98 تفسير سورة يس 570
99 أصحاب القرية 574
100 الدليل على البعث 588