العنق اكتفى بذكر العنق عن اليدين قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) قال هو كقوله عز وجل (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير. وقال مجاهد (فهم مقمحون) قال رافعي رؤوسهم وأيديهم موضوعة على أفواههم فهم مغلولون عن كل خير وقوله تعالى (وجعلنا من بين أيديهم سدا) قال مجاهد عن الحق (ومن خلفهم سدا) قال مجاهد: عن الحق فهم مترددون. وقال قتادة في الضلالات وقوله تعالى (فأغشيناهم) أي أغشينا أبصارهم عن الحق (فهم لا يبصرون) أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ (قأغشيناهم) بالعين المهملة من العشا وهو داء في العين وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله تعالى هذا السد بينهم وبين الاسلام والايمان فهم لا يخلصون إليه وقرأ (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) ثم قال: من منعه الله تعالى لا يستطيع. وقال عكرمة قال أبو جهل لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن فأنزلت (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا - إلى قوله - فهم لا يبصرون) قال وكانوا يقولون هذا محمد فيقول أين هو أين هو؟ لا يبصره رواه ابن جرير، وقال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه فجعل يذرها على رؤوسهم ويقرأ (يس * والقرآن الحكيم - حتى انتهى إلى قوله تعالى - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار فقال مالكم؟ قالوا ننتظر محمدا قال قد خرج عليكم فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم ذهب لحاجته فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب.
قال وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي جهل فقال: " وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحا وإنه لآخذهم " وقوله تبارك وتعالى (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أي قد ختم الله عليهم بالضلالة فما يفيد فيهم الانذار ولا يتأثرون به وقد تقدم نظيرها في أول سورة البقرة وكما قال تبارك وتعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) (إنما تنذر من اتبع الذكر) أي إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعون الذكر وهو القرآن العظيم (وخشي الرحمن بالغيب) أي حيث لا يراه أحد إلا الله تبارك وتعالى يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بما يفعل (فبشره بمغفرة) أي لذنوبه (وأجر كريم) أي كثير واسع حسن جميل كما قال تبارك وتعالى (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير). ثم قال عز وجل (إنا نحن نحيي الموتى) أي يوم القيامة وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة فيهديهم بعد ذلك إلى الحق كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) وقوله تعالى (ونكتب ما قدموا) أي من الأعمال وفي قوله تعالى (وآثارهم) قولان (أحدهما) نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم وآثارهم التي آثروها من بعدهم فنجزيهم على ذلك أيضا إن خيرا فخير وإن شرا فشر كقوله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الاسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ " رواه مسلم من رواية شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وفيه قصة مجتابي الثمار المضريين ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن يحيى بن سليمان الجعفي عن أبي المحياة يحيى بن يعلى عن عبد الملك بن عمير عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث بطوله ثم تلا هذه الآية (ونكتب ما قدموا وآثارهم) وقد رواه مسلم من رواية أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير بن المنذر بن جرير عن أبيه فذكره وهكذا