قوم مسرفون (19) فعند ذلك قال لهم أهل القرية (إنا تطيرنا بكم) أي لم نر على وجوهكم خيرا في عيشنا. وقال قتادة يقولون إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم. وقال مجاهد يقولون لم يدخل مثلكم إلى قرية إلا عذب أهلها (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) قال قتادة بالحجارة وقال مجاهد بالشتم (وليمسنكم منا عذاب أليم) أي عقوبة شديدة فقالت لهم رسلهم (طائركم معكم) أي مردود عليكم كقوله تعالى في قوم فرعون (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله) وقال قوم صالح (اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله) وقال قتادة ووهب بن منبه أي أعمالكم معكم. وقال عز وجل (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) وقوله تعالى: (أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون) أي من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له قابلتمونا بهذا الكلام وتوعدتمونا وتهددتمونا بل أنتم قوم مسرفون. وقال قتادة أي إن ذكرناكم بالله تطيرتم منا بل أنتم قوم مسرفون.
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يقوم اتبعوا المرسلين (20) اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون (21) ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون (22) أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفعتهم شيئا ولا ينقذون (23) إني إذا لفى ضلل مبين (24) إني امنت بربكم فاسمعون (25) قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب الأحبار ووهب بن منبه أن أهل القرية هموا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى أي لينصرهم من قومه قالوا وهو حبيب وكان يعمل الحرير وهو الحباك وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصدقة يتصدق بنصف كسبه مستقيم الفطرة (1) وقال ابن إسحاق عن رجل سماه عن الحكم عن مقسم أو مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اسم صاحب يس حبيب وكان الجذام قد أسرع فيه.
وقال الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسمه حبيب بن سري وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اسم صاحب يس حبيب النجار فقتله قومه وقال السدي كان قصارا وقال عمر بن الحكم كان إسكافا وقال قتادة كان يتعبد في غار هناك (قال يا قوم اتبعوا المرسلين) يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) أي على إبلاغ الرسالة (وهم مهتدون) فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له.
(وما لي لا أعبد الذي فطرني) أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني وحده لا شريك له (وإليه ترجعون) أي يوم المعاد فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر (أأتخذ من دونه آلهة) استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع (إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون) أي هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه لا يملكون من الامر شيئا فإن الله تعالى لو أرادني بسوء (فلا كاشف له إلا هو) وهذه الأصنام لا تملك دفع ذلك ولا منعه ولا ينقذونني مما أنا فيه (إني إذا لفي ضلال مبين) أي إن اتخذتها آلهة من دون الله وقوله تعالى: (إني آمنت بربكم فاسمعون) قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب يقول لقومه (إني آمنت بربكم) الذي كفرتم به (فاسمعون) أي فاسمعوا قولي ويحتمل أن يكون خطابه للرسل بقوله (إني آمنت بربكم) أي الذي أرسلكم (فاسمعون) أي فاشهدوا لي بذلك عنده وقد حكاه ابن جرير فقال وقال آخرون بل خاطب بذلك الرسل وقال لهم اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي إني آمنت بربكم واتبعتكم وهذا القول الذي حكاه عن هؤلاء أظهر في المعنى والله أعلم. قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب رضي الله عنهم فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن له أحد يمنع عنه وقال قتادة جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول كذلك فقتلوه رحمه الله.