أن ينام يخفض القسط ويرفعه ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " وقد قال أبو جعفر بن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه فقال من أين جئت؟
قال من الشام قال من لقيت؟ قال لقيت كعبا قال ما حدثك؟ قال حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك قال أفصدقته أو كذبته؟ قال ما صدقته ولا كذبته قال لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها كذب كعب إن الله تعالى يقول (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) وهذا إسناد صحيح إلى كعب وإلى ابن مسعود رضي الله عنه ثم رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال ذهب جندب البجلي إلى كعب بالشام فذكر نحوه. وقد رأيت في مصنف للفقيه يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي سماه - سير الفقهاء - أورد هذا الأثر عن محمد بن عيسى بن الطباع عن وكيع عن الأعمش به ثم قال وأخبرنا زونان يعني عبد الملك بن الحسين عن ابن وهب عن مالك أنه قال السماء لا تدور واحتج بهذه الآية وبحديث " إن بالمغرب بابا للتوبة لا يزال مفتوحا حتى تطلع الشمس منه " قلت وهذا الحديث في الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأقسموا بالله جهد أيمنهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا (42) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا (43) يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل إرسال الرسول إليهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم أي من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل قاله الضحاك وغيره كقوله تعالى: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفة من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها) وكقوله تعالى: (وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين * فكفروا به فسوف يعلمون) قال الله تعالى: (فلما جاءهم نذير) وهو محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل معه من الكتاب العظيم وهو القرآن المبين (ما زادهم إلا نفورا) أي ما ازدادوا إلا كفرا إلى كفرهم. ثم بين ذلك بقوله (استكبارا في الأرض) أي استكبروا عن اتباع آيات الله (ومكر السئ) أي ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) أي وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم. قال ابن أبي حاتم ذكر علي بن الحسين حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إياك ومكر السئ فإنه لا يحيق المكر السئ إلا بأهله ولهم من الله طالب) وقال محمد بن كعب القرظي ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث وتصديقها في كتاب الله تعالى (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) (إنما بغيكم على أنفسكم) (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) وقوله عز وجل (فهل ينظرون إلا سنة الأولين) يعني عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره (ولن تجد لسنة الله تبديلا) أي لا تغير ولا تبدل بل هي جارية كذلك في كل مكذب (ولن تجد لسنة الله تحويلا) أي (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد والله أعلم.
أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا (44) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (45)