ولهذا قال بعض العلماء من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة وليسهل عليه خروج الروح والله تعالى أعلم. قال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان قال: كان المشيخة يقولون إذا قرئت يعني يس عند الميت خفف الله عنه بها. وقال البزار حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " يعني يس.
بسم الله الرحمن الرحيم يس (1) والقرءان الحكيم (2) إنك لمن المرسلين (3) على صرط مستقيم (4) تنزيل العزيز الرحيم (5) لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غفلون (6) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون (7) قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة والضحاك والحسن وسفيان بن عيينة أن يس بمعنى يا إنسان وقال سعيد بن جبير هو كذلك في لغة الحبشة وقال مالك عن زيد بن أسلم هو اسم من أسماء الله تعالى (والقرآن الحكيم) أي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (إنك) أي يا محمد (لمن المرسلين * على صراط مستقيم) أي على منهج ودين قويم وشرع مستقيم. (تنزيل العزيز الرحيم) أي هذا الصراط والمنهج والدين الذي جئت به تنزيل من رب العزة الرحيم بعباده المؤمنين كما قال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور). وقوله تعالى (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) يعني بهم العرب فإنه ما أتاهم من نذير من قبله وذكرهم وحدهم لا ينفي من عداهم كما أن ذكر بعض الافراد لا ينفي العموم وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا). وقوله تعالى (لقد حق القول على أكثرهم) قال ابن جرير لقد وجب العذاب على أكثرهم بأن الله تعالى قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون (فهم لا يؤمنون) بالله ولا يصدقون رسله.
إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (8) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (10) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم (11) إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين (12) يقول تعالى إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غل فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه فارتفع رأسه فصار مقمحا ولهذا قال تعالى (فهم مقمحون) والمقمح هو الرافع رأسه كما قالت أم زرع في كلامها: وأشرب فأتقمح، أي أشرب فأروي وأرفع رأسي تهنيئا وترويا واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين وإن كانتا مرادتين كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا ابتغيه * أم الشر الذي لا يأتليني فاكتفى بذكر الخير عن ذكر الشر لما دل الكلام والسياق عليه. وهكذا هذا لما كان الغل إنما يعرف فيما جمع اليدين مع