فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير) وقوله تعالى: (فذوقوا فما للظالمين من نصير) أي فذوقوا عذاب النار جزاء على مخالفتكم للأنبياء في مدة أعماركم فما لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال والأغلال.
إن الله علم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور (38) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا (39) يخبر تعالى بعلمه غيب السماوات والأرض وأنه يعلم ما تكنه السرائر وما تنطوي عليه الضمائر وسيجازي كل عامل بعمله. ثم قال عز وجل (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي يخلف قوم لآخرين قبلهم وجيل لجيل قبلهم.
كما قال تعالى: (ويجعلكم خلفاء الأرض) (فمن كفر فعليه كفره) أي فإنما يعود وبال ذلك على نفسه دون غيره (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) أي كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله تعالى وكلما استمروا فيه خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بخلاف المؤمنين فإنهم كلما طال عمر أحدهم وحسن عمله ارتفعت درجته ومنزلته في الجنة وزاد أجره وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين.
قل أرءيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا (40) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (41) يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين (أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله) أي من الأصنام والأنداد (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) أي ليس لهم شئ من ذلك ما يملكون من قطمير وقوله (أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه) أي أم أنزلنا عليهم كتابا بما يقولونه من الشرك والكفر؟ ليس الامر كذلك (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) أي بل إنما اتبعوا في ذلك أهواءهم وآراءهم وأمانيهم التي تمنوها لأنفسهم وهي غرور وباطل وزور ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة التي بها تقوم السماء والأرض عن أمره وما جعل فيهما من القوة الماسكة لهما فقال (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) أي أن تضطربا عن أماكنهما كما قال عز وجل (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقال تعالى: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) أي لا يقدر على دوامهما وإبقائهما إلا هو وهو مع ذلك حليم غفور أن يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل ولا يعجل ويستر آخرين ويغفر ولهذا قال تعالى: (إنه كان حليما غفورا). وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا حديثا غريبا بل منكرا فقال حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثني هشام بن يوسف عن أمية بن سهل عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه الصلاة والسلام على المنبر قال: " وقع في نفس موسى عليه الصلاة والسلام هل ينام الله عز وجل فأرسل الله تعالى إليه ملكا فأرقه ثلاثا وأعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما قال فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيجلس إحداهما عن الأخرى حتى نام نومه فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان قال ضرب الله له مثلا إن الله عز وجل لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض " والظاهر أن هذا الحديث ليس بمرفوع بل من الإسرائيليات المنكرة فإن موسى عليه الصلاة والسلام أجل من أن يجوز على الله سبحانه وتعالى النوم وقد أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز بأنه (الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض) وثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له