أي هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب الحق وقوله جلت عظمته (وهم يصطرخون فيها) أي ينادون فيها يجأرون إلى الله عز وجل بأصواتهم (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) أي يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا غير عملهم الأول وقد علم الرب جل جلاله أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم كما قال تعالى مخبرا عنهم في قولهم (فهل إلى مرد من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا) أي لا يجيبكم إلى ذلك لأنكم كنتم كذلك ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه ولذا قال ههنا (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) أي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد ههنا فروي عن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما أنه قال مقدار سبع عشر سنة. وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر قد نزلت هذه الآية (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة وكذا قال أبو غالب الشيباني. وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن رجل عن وهب بن منبه في قوله تعالى: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) قال عشرين سنة. وقال هشيم عن منصور عن زاذان عن الحسن في قوله تعالى: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) قال أربعين سنة وقال هشيم أيضا عن مجالد عن الشعبي عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عز وجل وهذه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الاعلى حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " أربعون سنة. هكذا رواه من هذا الوجه عن ابن عباس رضي الله عنهما به وهذا القول هو اختيار ابن جرير، ثم رواه من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) ستون سنة فهذه الرواية أصح عن ابن عباس رضي الله عنهما وهي الصحيحة في نفس الامر أيضا لما ثبت في ذلك من الحديث كما سنورده لا كما زعمه ابن جرير من أن الحديث لم يصح في ذلك لان في إسناده من يجب التثبت في أمره وقد روى أصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه أنه قال: العمر الذي عيرهم الله به في قوله (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) ستون سنة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا دحيم حدثنا ابن أبي فديك حدثني إبراهيم بن الفضل المخزومي عن ابن أبي حسين المكي أنه حدثه عن عطاء هو ابن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة قيل أين أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) " وكذا رواه ابن جرير عن علي بن شعيب عن إسماعيل بن أبي فديك به وكذا رواه الطبراني من طريق ابن أبي فديك به وهذا الحديث فيه نظر لحال إبراهيم بن الفضل والله أعلم (حديث آخر) قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة لقد أعذر الله تعالى إليه لقد أعذر الله تعالى إليه " وهكذا رواه الامام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه حدثنا عبد السلام بن مطهر عن عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة " ثم قال البخاري تابعه أبو حازم وابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما أبو حازم فقال ابن جرير حدثنا أبو صالح الفزاري حدثنا محمد بن سوار أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القادر أي الإسكندري حدثنا أبو حازم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عمره الله تعالى ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر " وقد رواه الإمام أحمد والنسائي في الرقاق جميعا عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن به ورواه البزار قال: حدثنا هشام بن يونس حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(٥٦٦)