سنة وقال مجاهد (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) أي في بطن أمه يكتب له ذلك لم يخلق الخلق على عمر واحد بل لهذا عمر ولهذا عمر هو أنقص من عمره فكل ذلك مكتوب لصاحبه بالغ ما بلغ وقال بعضهم بل معناه (وما يعمر من معمر) أي ما يكتب من الاجل (ولا ينقص من عمره) وهو ذهابه قليلا قليلا الجميع معلوم عند الله تعالى سنة بعد سنة وشهرا بعد شهر وجمعة بعد جمعة ويوما بعد يوم وساعة بعد ساعة الجميع مكتوب عند الله تعالى في كتابه. نقله ابن جرير عن أبي مالك وإليه ذهب السدي وعطاء الخراساني واختار ابن جرير الأول وهو كما قال وقال النسائي عند تفسير هذه الآية الكريمة حدثنا أحمد بن يحيى بن أبي زيد بن سليمان قال سمعت ابن وهب يقول حدثني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يونس بن يزيد الأيلي به.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الوليد حدثنا الوليد بن الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله أبو سرح حدثنا عثمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله تعالى لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر " وقوله عز وجل (إن ذلك على الله يسير) أي سهل عليه يسير لديه علم بذلك وبتفصيله في جميع مخلوقاته فإن علمه شامل للجميع لا يخفى عليه شئ منها.
وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12) يقول تعالى منبها على قدرته العظيمة في خلقه الأشياء المختلفة خلق البحرين العذب الزلال وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والامصار والعمران والبراري والقفار وهي عذبة سائغ شرابها لمن أراد ذلك (وهذا ملح أجاج) أي مر وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار وإنما تكون مالحة زعافا مرة ولهذا قال (وهذا ملح أجاج) أي مر ثم قال تعالى: (ومن كل تأكلون لحما طريا) يعني السمك (وتستخرجون حلية تلبسونها) كما قال عز وجل (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقوله جل وعلا (وترى الفلك فيه مواخر) أي تمخره وتشقه بحيزومها وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير وهو صدره وقال مجاهد تمخر الريح السفن ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام وقوله جلا وعلا (لتبتغوا من فضله) أي بأسفاركم بالتجارة من قطر إلى قطر. وإقليم إلى إقليم (ولعلكم تشكرون) أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم وهو البحر تتصرفون فيه كيف شئتم وتذهبون أين أردتم ولا يمتنع عليكم شئ منه بل بقدرته قد سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض الجميع من فضله ورحمته.
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاؤكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير (14) * وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم في تسخيره الليل بظلامه والنهار بضيائه ويأخذ من طول هذا فيزيده في قصر هذا فيعتدلان ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول هذا ويقصر هذا ثم يتقارضان صيفا وشتاء (وسخر الشمس والقمر) أي والنجوم السيارات والثوابت الثاقبات بأضوائهن أجرام السماوات الجميع يسيرون بمقدار معين. وعلى منهاج