حصوله كما قدمنا في أول التفسير عند فضائل القرآن أنه يقول لصاحبه إن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة ولهذا قال تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) أي ليوفيهم ثواب ما عملوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم (إنه غفور) أي لذنوبهم (شكور) للقليل من أعمالهم. قال قتادة كان مطرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول هذه آية القراء قال الإمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حياة حدثنا سالم بن غيلان قال: إنه سمع دراجا أبا السمح يحدث به أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أضعاف من الشر لم يعمله) غريب جدا.
والذي أوحينا إليك من الكتب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير (31) يقول تعالى (والذي أوحينا إليك) يا محمد من الكتاب وهو القرآن (هو الحق مصدقا لما بين يديه) أي من الكتب المتقدمة بصدقها كما شهدت هي له بالتنويه وأنه منزل من رب العالمين (إنه بعباده لخبير بصير) أي هو خبير بهم بصير بمن يستحق ما يفضله به على من سواه ولهذا فضل الأنبياء والرسل على جميع البشر وفضل النبيين بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات وجعل منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فوق جميعهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير (32) يقول تعالى: ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع فقال تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات (ومنهم مقتصد) هو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وعبد الرحمن بن معاوية العتبي قالا حدثنا أبو الطاهر بن السرح حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " قال ابن عباس رضي الله عنهما السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وكذا روي عن غير واحد من السلف أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه من عوج وتقصير. وقال آخرون بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ولا من المصطفين الوارثين للكتاب.
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما (فمنهم ظالم لنفسه) قال هو الكافر وكذا روى عنه عكرمة وبه قال عكرمة أيضا فيما رواه ابن جرير وقال ابن أبي نجيع عن مجاهد في قوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) قال هم أصحاب المشأمة وقال مالك عن زيد بن أسلم والحسن.
وقتادة هو المنافق ثم قد قال ابن عباس والحسن وقتادة وهذه الأقسام الثلاثة كالاقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة الواقعة وآخرها والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضا ونحن إن شاء الله تعالى نورد منها ما تيسر.
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار أنه سمع رجلا من ثقيف