بالخلق والرزق ولهذا قال تعالى: (أإله مع الله)؟ أي أإله مع الله يعبد وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضا أنه الخالق الرازق ومن المفسرين من يقول معنى قوله: (أإله مع الله) فعل هذا وهو يرجع إلى معنى الأول لان تقدير الجواب أنهم يقولون ليس ثم أحد فعل هذا معه بل هو المتفرد به فيقال فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير؟ كما قال تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) الآية. وقوله تعالى ههنا (أمن خلق السماوات والأرض) (أمن) في هذه الآيات كلها تقديره أمن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شئ منها؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر لان في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك وقد قال الله تعالى (آلله خير أم ما يشركون) ثم قال في الآية الأخرى (بل هم قوم يعدلون) أي يجعلون لله عدلا ونظيرا وهكذا قال تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) أي أمن هو هكذا كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) وقال تعالى (أمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) أي أمن هو شهيد على أفعال الخلق حركاتهم وسكناتهم يعلم الغيب جليله وحقيره كمن هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها من دون الله؟ ولهذا قال (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) وهكذا هذه الآيات الكريمات كلها.
أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإلاه مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) يقول تعالى (أمن جعل الأرض قرارا) أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهادا بساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك كما قال تعالى في الآية الأخرى (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء) (وجعل خلالها أنهارا) أي جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة شقها في خلالها وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك وسيرها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في أرجاء الأرض وسير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه (وجعل لها رواسي) أي جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم (وجعل بين البحرين حاجزا) أي جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزا أي مانعا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على ضفته المقصودة منه فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس والمقصود منها أن تكون عذبة زلالا يسقي الحيوان والنبات والثمار منها والبحار المالحة هي المحيطة بالارجاء والاقطار من كل جانب والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحا أجاجا لئلا يفسد الهواء بريحها كما قال تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) ولهذا قال تعالى: (أإله مع الله)؟ أي فعل هذا أو يعبد على القول الأول والآخر؟ وكلاهما متلازم صحيح (بل أكثرهم لا يعلمون) أي في عبادتهم غيره.
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلاه مع الله قليلا ما تذكرون (62) ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد المرجو عند النوازل كما قال تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) وقال تعالى: (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) وهكذا قال ههنا (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه قال الإمام أحمد أنبأنا عفان أنبأنا وهيب أنبأنا خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من بلهجيم قال قلت يا رسول الله إلى م تدعو؟ قال " أدعو إلى الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك والذي إن أضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك " قال قلت أوصني قال " لا تسبن أحدا ولا تزهدن في المعروف ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الازار