لكانت تضيق عنهم الأرض وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم ويتضرر بعضهم ببعض ولكن اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة ثم يكثرهم غاية الكثرة ويذرأهم في الأرض ويجعلهم قرون بعد قرون وأمما بعد أمم حتى ينقضي الاجل وتفرغ البرية كما قدر ذلك تبارك وتعالى وكما أحصاهم وعدهم عدا ثم يقيم القيامة ويوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله ولهذا قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله) أي يقدر على ذلك أو أإله مع الله يعبد؟ وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك وحده لا شريك له؟ (قليلا ما تذكرون) أي ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
أمن يهديكم في ظلمت البر والبحر ومن يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته أإلاه مع الله تعلى الله عما يشركون يقول تعالى (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) أي بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية كما قال تعالى:
(وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) الآية (ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) أي بين يدي السحاب الذي فيه مطر يغيث الله به عباده المجدبين الأزلين القنطين (إله مع الله تعالى الله عما يشركون).
أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإلاه مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين أي هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده كما قال تعالى في الآية الأخرى (إن بطش ربك لشديد * إنه هو يبدئ ويعيد) وقال تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) (ومن يرزقكم من السماء والأرض) أي بما ينزل من مطر السماء وينبت من بركات الأرض كما قال تعالى: (والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع) وقال تعالى (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) فهو تبارك وتعالى ينزل من السماء ماء مبارك فيسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به منها أنواع الزروع والثمار والأزاهير وغير ذلك من ألوان شتى (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لاولي النهى) ولهذا قال تعالى (أإله مع الله) أي فعل هذا وعلى القول الآخر بعد هذا (قل هاتوا برهانكم) على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى (إن كنتم صادقين) في ذلك وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان كما قال تعالى (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).
قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون إيان يبعثون (65) بل أدرك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون (66) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلما لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله.
وقوله تعالى: (إلا الله) استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) الآية وقال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) إلى آخر السورة والآيات في هذا كثيرة وقوله تعالى: (وما يشعرون أيان يبعثون) أي وما يشعر الخلائق الساكنون في السماوات والأرض بوقت الساعة كما قال تعالى (ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو جعفر الرازي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت من زعم أنه يعلم - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية لان الله تعالى يقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) وقال قتادة إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال جعلها زينة للسماء وجعلها يهتدى بها وجعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير