ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به وإن أناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والقصير والطويل والحسن والدميم وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشئ من الغيب وقضى الله تعالى أنه (لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون). رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه وهو كلام جليل متين صحيح وقوله: (بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها) أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها وقرأ آخرون (بل أدرك علمهم) أي تساوى علمهم في ذلك كما في الصحيح لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل وقد سأله عن وقت الساعة " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " أي تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسؤول والسائل. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل ادارك علمهم في الآخرة) أي غاب وقال قتادة (بل ادارك علمهم في الآخرة) يعني بجهلهم بربهم يقول لم ينفذ لهم علم في الآخرة هذا قول وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس (بل ادارك علمهم في الآخرة) حين لم ينفع العلم وبه قال عطاء الخراساني والسدي أن علمهم إنما يدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) وقال سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقرأ (بل أدرك علمهم) قال اضمحل علمهم في الدنيا حين عاينوا الآخرة وقوله تعالى (بل هم في شك منها) عائد على الجنس والمراد الكافرون كما قال تعالى: (وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا) أي الكافرون منكم وهكذا قال ههنا (بل هم في شك منها) أي شاكون في وجودها ووقوعها (بل هم منها عمون) أي في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها.
وقال الذين كفروا أإذا كنا تربا وآباؤنا أئنا لمخرجون (67) لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين (68) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عقبة المجرمين (69) ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون (70) يقول تعالى مخبرا عن منكري البعث من المشركين أنهم استبعدوا إعادة الأجساد بعد صيرورتها عظاما ورفاتا وترابا ثم قال (لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل) أي ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا ولا نرى له حقيقة ولا وقوعا وقولهم (إن هذا إلا أساطير الأولين) يعنون ما هذا الوعد بإعادة الأبدان (إلا أساطير الأولين) أي أخذه قوم عمن قبلهم من كتب يتلقاه بعض عن بعض وليس له حقيقة، قال الله تعالى مجيبا لهم عما ظنوه من الكفر وعدم المعاد (قل) يا محمد لهؤلاء (سيروا في الأرض انظروا كيف كان عاقبة المجرمين) أي المكذبين بالرسل وبما جاءوهم به من أمر المعاد وغيره كيف حلت بهم نقمة الله وعذابه ونكاله ونجى الله من بينهم رسله الكرام ومن اتبعهم من المؤمنين فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته، ثم قال تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تحزن عليهم) أي المكذبين بما جئت به ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات (ولا تكن في ضيق مما يمكرون) أي في كيدك ورد ما جئت به فإن الله مؤيدك وناصرك ومظهر دينك على من خالفه وعانده في المشارق والمغارب.
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (71) قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون (72) وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون (73) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون (74) وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتب مبين (75)