هذا أو نحو ذلك. وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت به، وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به والله أعلم.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم قبل الرجم وإنما وردت الأحاديث الصحيحة المتعاضدة المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله، وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية والرجم للسنة كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما أتي بسراجة وكانت قد زنت وهي محصنة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة ومسلم من حديث قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ". وقوله تعالى " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " أي في حكم الله أي لا ترأفوا بهما في شرع الله وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على ترك الحد وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك قال مجاهد: " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " قال: إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقد جاء في الحديث: " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " وفي الحديث الآخر: " لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " وقيل المراد " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم وليس المراد الضرب المبرح. قال عامر الشعبي " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " قال: رحمة في شدة الضرب وقال عطاء ضرب ليس بالمبرح، وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن أبي سليمان يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه ثم تلا " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " فقلت هذا في الحكم قال هذا في الحكم والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها قال نافع أراه قال ظهرها قال قلت " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " قال يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها وقد أوجعت حين ضربتها. وقوله تعالى " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحا ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك، وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها فقال " ولك في ذلك أجر ".
وقوله تعالى " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا. قال الحسن البصري في قوله " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " يعني علانية ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " الطائفة الرجل فما فوقه وقال مجاهد: الطائفة الرجل الواحد إلى الألف، وكذا قال عكرمة ولهذا قال أحمد: إن الطائفة تصدق على واحد، وقال عطاء بن أبي رباح اثنان، وبه قال إسحاق بن راهويه وكذا قال سعيد بن جبير " طائفة من المؤمنين " قال: يعني رجل فصاعدا، وقال الزهري: ثلاث نفر فصاعدا، وقال عبد الرزاق حدثني ابن وهب عن الامام مالك في قوله " وليشهد عذابهما طائفة