بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه فقال تعالى " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا " أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي " حتى أنسوكم ذكري " أي حملكم بغضهم علي أن نسيتم معاملتي " وكنتم منهم تضحكون " أي من صنيعهم وعبادتهم كما قال تعالى " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون " أي يلمزونهم استهزاء ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين فقال تعالى " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم " أنهم هم الفائزون " بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
قل كم لبثتم في الأرض عدد سنين (112) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين (113) قل إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون (114) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون (115) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم (116) يقول تعالى منبها لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده ولو صبروا في مدة الدنيا القصيرة لفازوا كما فاز أولياؤه المتقون " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين " أي كم كانت إقامتكم في الدنيا " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين " أي الحاسبين " قال إن لبثتم إلا قليلا " أي مدة يسيرة على كل تقدير " لو أنكم كنتم تعلمون " أي لما آثرتم الفاني على الباقي ولما تصرفتم لأنفسكم هذا التصرف السئ ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة فلو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن يونس حدثنا الوليد حدثنا صفوان عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه سمعه يخطب الناس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قال لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم قال يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فيقول بئس ما النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فيقول بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين مخلدين ". وقوله تعالى " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا " أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا، وقيل للعبث أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل " وأنكم إلينا لا ترجعون " أي لا تعودون في الدار الآخرة كما قال تعالى " أيحسب الانسان أن يترك سدى " يعني هملا، وقوله " فتعالى الله الملك الحق " أي تقدس أن يخلق شيئا عبثا فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك " لا إله إلا هو رب العرش الكريم " فذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات ووصفه بأنه كريم أي حسن المنظر بهي الشكل كما قال تعالى " وأنبتنا فيها من كل زوج كريم ".
قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا إسحاق بن سليمان شيخ من أهل العراق أنبأنا شعيب بن صفوان عن رجل من آل سعيد بن العاص قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم، فخاب وخسر وشقي عبد أخرجه الله من رحمته وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من حذر هذا اليوم وخافه وباع نافدا بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين سيكون من بعدكم الباقين حتى تردون إلى خير الوارثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير ممهد ولا موسد قد فارق الأحباب وباشر التراب، ووجه الحساب، مرتهن بعمله غني عما