يقول تعالى هذه " سورة أنزلناها " فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها " وفرضناها " قال مجاهد وقتادة: أي بينا الحلال والحرام والامر والنهي والحدود. وقال البخاري: ومن قرأ فرضناها يقول فرضناها عليكم وعلى من بعدكم " وأنزلنا فيها آيات بينات " أي مفسرات واضحات " لعلكم تذكرون " ثم قال تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " يعنى هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج فإن حده مائه جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فإن عنده أن التغريب إلى رأي الامام إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا: الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام. واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها. وفى هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج، فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم كما قال الامام مالك حدثني ابن شهاب أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زني إذا أحصن من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا، وهذه قطعة منه فيها مقصودنا ههنا. وروى الإمام أحمد عن هشيم عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس حدثني عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول: ألا وإن ناسا يقولون ما الرجم في كتاب الله وإنما فيه الجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به. وأخرجه النسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله به، وقد روى الإمام أحمد أيضا عن هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال: إنا لا نجد من الرجم بدا فإنه حد من حدود الله تعالى، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون إن عمر زاد في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت في ناحية من المصحف، وشهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده، ألا إنه سيكون قوم من بعدكم يكذبون بالرجم وبالشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا. وروى أحمد أيضا عن يحيي الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب " إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم " الحديث رواه الترمذي من حديث سعيد عن عمر وقال صحيح، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا أبو عون عن محمد هو ابن سيرين قال ابن عمر: نبئت عن كثير بن الصلت قال كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت كنا نقرأ: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، قال مروان ألا كتبتها في المصحف؟ قال ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب فقال أنا أشفيكم من ذلك قال قلنا فكيف؟ قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر كذا وكذا وذكر الرجم فقال يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال " لا أستطيع الآن "
(٢٧١)