تعلمون بصير، وهو سبحانه لا يحجب عنه سماء سماء ولا أرض أرضا، ولا جبل إلا يعلم ما في وعره، ولا بحر إلا يعلم ما في قعره، يعلم عدد ما في الجبال والتلال والرمال والبحار والقفار والأشجار " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ".
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18) فأنشأنا لكم به جنت من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون (19) وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين (20) وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون (22) يذكر تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تحصى في إنزاله القطر من السماء بقدر أي بحسب الحاجة لا كثيرا فيفسد الأرض والعمران ولا قليلا فلا يكفي الزروع والثمار بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به حتى إن الأراضي التي تحتاج ماء كثيرا لزرعها ولا تحتمل دمنتها إنزال المطر عليها يسوق إليها الماء من بلاد أخرى كما في أرض مصر ويقال لها الأرض الجرز يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها فيأتي الماء يحمل طينا أحمر فيسقي أرض مصر ويقر الطين على أرضهم ليزرعوا فيه لان أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال فسبحان اللطيف الخبير الرحيم الغفور، وقوله " فأسكناه في الأرض " أي جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابلية له وتشربه ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى.
وقوله " وإنا على ذهاب به لقادرون " أي لو شئنا أن لا تمطر لفعلنا ولو شئنا أذى لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجا لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض بل ينجر على وجهها لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ولا ينتفعون به لفعلنا ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم الماء من السحاب عذبا فراتا زلالا فيسكنه في الأرض ويسلكه ينابيع في الأرض فيفتح العيون والأنهار ويسقي به الزروع والثمار تشربون منه ودوابكم وأنعامكم وتغتسلون منه وتتطهرون منه وتتنظفون فله الحمد والمنة. وقوله " فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب " يعني فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء جنات أي بساتين وحدائق " ذات بهجة " أي ذات منظر حسن. وقوله " من نخيل وأعناب " أي فيها نخيل وأعناب وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ولا فرق بين الشئ وبين نظيره وكذلك في حق كل أهل أقليم عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره. وقوله " لكم فيها فواكه كثيرة " أي من جميع الثمار كما قال " ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات " وقوله " ومنها تأكلون " أنه معطوف على شئ مقدر تقديره تنظرون إلى حسنه ونضجه ومنه تأكلون، وقوله " وشجرة تخرج من طور سيناء " يعني الزيتونة، والطور هو الجبل وقال بعضهم إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر فإن عري عنها سمي جبلا لا طورا والله أعلم، وطور سيناء هو طور سينين وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسي بن عمران عليه السلام وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون، وقوله " تنبت بالدهن " قال بعضهم الباء زائدة وتقديره تنبت الدهن كما في قول العرب ألقى فلان بيده أي يده وأما على قول من يضمن الفعل فتقديره تخرج بالدهن أو تأتي بالدهن ولهذا قال " وصبغ " أي أدم قاله قتادة " للآكلين " أي فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن عبد الله ابن عيسى عن عطاء الشامي عن أبي أسيد واسمه مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " وقال عبد بن حميد في مسنده وتفسيره حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة " ورواه الترمذي وابن ماجة من غير وجه عن عبد الرزاق. قال الترمذي ولا يعرف إلا من حديثه وكان