إعادة ذلك ههنا وقوله " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين " كما قال " وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون * لتستووا عل ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون " وقد امتثل نوح عليه السلام هذا كما قال تعالى " وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها " فذكر الله تعالى عند ابتداء سيره وعند انتهائه وقال تعالى " وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " وقوله " إن في ذلك لآيات " أي إن في هذا الصنيع وهو إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين لآيات أي لحجج ودلالات واضحات على صدق الأنبياء فيما جاءوا به عن الله تعالى وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر على كل شئ عليم بكل شئ وقوله " وإن كنا لمبتلين " أي لمختبرين للعباد بإرسال المرسلين.
ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين (31) فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (32) وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفنهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون (33) ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (34) أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم مخرجون (35) هيهات هيهات لما توعدون (36) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين (37) إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين (38) قال رب انصرني بما كذبون (39) قال عما قليل ليصبحن نادمين (40) فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين (41) يخبر تعالى أنه أنشأ بعد قوم نوح قرنا آخرين قيل المراد بهم عاد فإنهم كانوا مستخلفين بعدهم، وقيل المراد بهؤلاء ثمود لقوله " فأخذتهم الصيحة بالحق " وأنه تعالى أرسل فيهم رسولا منهم فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فكذبوه وخالفوه وأبوا عن اتباعه لكونه بشرا مثلهم واستنكفوا عن اتباع رسول بشري وكذبوا بلقاء الله في القيامة وأنكروا المعاد الجثماني وقالوا " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون " أي بعد بعد ذلك " إن هو إلا رجل افتري على الله كذبا " أي فيما جاءكم به من الرسالة والنذارة والاخبار بالمعاد " وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون " أي استفتح عليهم الرسول واستنصر ربه عليهم فأجاب دعاءه " قال عما قليل ليصبحن نادمين " أي بمخالفتك وعنادك فيما جئتهم به " فأخذتهم الصيحة بالحق " أي وكانوا يستحقون ذلك من الله بكفرهم وطغيانهم والظاهر أنه اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصرصر العاصف القوي البارد " تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " وقوله " فجعلناهم غثاء " أي صرعى هلكى كغثاء السيل وهو الشئ الحقير التافه الهالك الذي لا ينتفع بشئ منه " فبعدا للقوم الظالمين " كقوله " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين " أي بكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول الله، فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولهم.
ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين (42) ما تسبق من إمة أجلها وما يستأخرون (43) ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون (44) يقول تعالى " ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين " أي أمما وخلائق " ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون " يعني بل يؤخذون على حسب ما قدر لهم تعالى في كتابه المحفوظ وعلمه قبل كونهم أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل وخلفا بعد سلف " ثم أرسلنا رسلنا تترى " قال ابن عباس يعني يتبع بعضهم بعضا وهذا كقوله