الوارث قال حدثنا أبي حدثنا حبان سمعت سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية " إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى " قال النبي صلى الله عليه وسلم " أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا من أهلها فإن النار تمسهم ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فتجعل الضبائر فيؤتى بهم نهرا يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت العشب في حميل السيل " وقوله تعالى " ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات " أي ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب قد صدق ضميره بقوله وعمله " فأولئك لهم الدرجات العلى " أي الجنة ذات الدرجات العاليات والغرف الأمنات والمساكن الطيبات. قال الإمام أحمد حدثنا عفان أنبأنا همام حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " ورواه الترمذي من حديث يزيد بن هارون عن همام به، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي أخبرنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال كان يقال الجنة مائة درجة في كل درجة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فيهن الياقوت والحلي في كل درجة أمير يرون له الفضل والسودد وفي الصحيحين " إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم - قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء قال - بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " وفي السنن إن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما وقوله " جنات عدن " أي إقامة وهي بدل من الدرجات العلى " تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها " أي ماكثين أبدا " وذلك جزاء من تزكى " أي طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك وعبد الله وحده لا شريك له واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خير وطلب.
ولقد أوحينا إلى إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف دركا ولا تخشى (77) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (78) وأضل فرعون قومه وما هدى (79) يقول تعالى مخبرا أنه أمر موسى حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل أن يسري بهم في الليل ويذهب بهم من قبضة فرعون وقد بسط الله هذا المقام في غير هذه السورة الكريمة وذلك أن موسى لما خرج ببني إسرائيل أصبحوا وليس منهم بمصر لا داع ولا مجيب فغضب فرعون غضبا شديدا وأرسل في المدائن حاشرين أي من يجمعون له الجند من بلدانه ورساتيقه يقول إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون ثم لما جمع جنده واستوثق له جيشه ساق في طلبهم فأتبعوهم مشرقين أي عند طلوع الشمس " فلما تراءى الجمعان " أي نظر كل من الفريقين إلى الآخر " قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين " ووقف موسى ببني إسرائيل البحر أمامهم وفرعون وراءهم فعند ذلك أوحى الله إليه " أن اضرب لهم طريقا في البحر يبسا " فضرب البحر بعصاه وقال انفلق علي بإذن الله فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم أي الجبل العظيم فأرسل الله الريح على أرض البحر فلفحته حتى صار يابسا كوجه الأرض فلهذا قال " فاضرب لهم طريقا يبسا لا تخاف دركا " أي من فرعون " ولا تخشى " يعني من البحر أن يغرق قومك ثم قال تعالى " فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم " أي البحر ما غشيهم أي الذي هو معروف ومشهور وهذا يقال عند الامر المعروف المشهور كما قال تعالى " والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى " وقال الشاعر:
* أنا أبو النجم وشعري شعري * أي الذي يعرف وهو مشهور وكما تقدمهم فرعون فسلك بهم في اليم فأضلهم وما هداهم إلى سبيل الرشاد كذلك