جئناك بآية من ربك " أي بدلالة ومعجزة من ربك " والسلام على من اتبع الهدى " أي والسلام عليك إن اتبعت الهدى ولهذا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم كتابا كان أوله " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الاسلام فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " وكذلك لما كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا صورته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد أشركتك في الامر فلك المدر ولي الوبر ولكن قريش قوم يعتدون. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشأ من عباده والعاقبة للمتقين " ولهذا قال موسى وهارون عليهما السلام لفرعون " والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " أي قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متحمض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته كما قال تعالى " فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى " وقال تعالى " فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى " وقال تعالى " فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى " أي كذب بقلبه وتولى بفعله.
قال فمن ربكما يا موسى (49) قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى (50) قال فما بال القرون الأولى (51) قال علمها عند ربي في كتب لا يضل ربي ولا ينسى (52) يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى منكرا وجود الصانع الخالق إله كل شئ وربه ومليكه قال " فمن ربكما يا موسى " أي الذي بعثك وأرسلك من هو فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري قوله " قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول خلق لكل شئ زوجه وقال الضحاك عن ابن عباس جعل الانسان إنسانا والحمار حمارا والشاة شاة وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد اعطى كل شئ صورته وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد سوى خلق كل دابه وقال سعيد بن جبير في قوله " اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " قال أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ولم يجعل للانسان من خلق الدابة ولا للدابة من خلق الكلب ولا للكلب من خلق الشاة وأعطى كل شئ ما ينبغي له من النكاح وهيأ كل شئ على ذلك ليس شئ منها يشبه شيئا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح، وقال بعض المفسرين أعطى كل شئ خلقه ثم هدى كقوله تعالى " الذي قدر فهدى " أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه أي كتب الأعمال والآجال والأرزاق ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج منه، يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدر القدر وجبل الخليقة على ما أراد " قال فما بال القرون الأولى " أصح الأقوال في معنى ذلك أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى شرع يحتج بالقرون الأولى أي الذين لم يعبدوا الله أي فما بالهم إذا كان الامر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره فقال له موسى في جواب ذلك هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم عند الله مضبوط عليهم وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمار " لا يضل ربي ولا ينسى " أي لا يشذ عنه شئ ولا يفوته صغير ولا كبير ولا ينسى شيئا يصف علمه تعالى بأنه بكل شئ محيط وأنه لا ينسى شيئا تبارك وتعالى وتقدس وتنزه فإن علم المخلوق يعتريه نقصانين أحدهما عدم الإحاطة بالشئ والآخر نسيانه بعد علمه فنزه نفسه عن ذلك.
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى (53) كلوا وارعوا أنعمكم إن في ذلك لآيات لاولي النهى (54) * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها